وقد أمر اللّه تعالى برعاية العدل والإنصاف في استيفاء الحقوق في القصاص، لأن الزيادة ظلم تأباه شريعة اللّه العادل.
وما قيل إن هذه الآية منسوحة قول لا يلتفت إليه بل هي محكمة لأنها واردة في تعليم حسن الآداب وكمال الأخلاق والنصفة في استيفاء الحقوق وترك التعدي النهى عنه.
ومثل هذه الأمور لا يدخلها النسخ أبدا.
قال تعالى يا خاتم الرسل اعمل بهذا "وَاصْبِرْ" على ما أصابك من أذى قومك "وَما صَبْرُكَ" على ما يؤذيك ويحزنك "إِلَّا بِاللَّهِ" بتوفيقه ومعونته لك "وَلا تَحْزَنْ" على ما وقع على عمك فإن له فيها درجات في الجنة عند اللّه، وكذلك قومك لا تحزن "عَلَيْهِمْ" بسبب ما فعلوه فيه وعدم رعايتك وعن إعراضهم عنك ولا على قتلى أحد كلهم، فإنهم أفضوا إلى رحمة ربهم وعطفه ولا يضرهم ما مثله المشركون بهم لأنه مما يزيد في أجرهم "وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ" هو الشدة التي يتكمش لها الوجه ويكفهر وينقبض فيها الصدر ويضيق بسبب ما وقع من الغم والحزن فيه وقرىء بفتح الضاد وكسرها "مِمَّا يَمْكُرُونَ" ١٢٧ بك ويكيدون لك من الدسائس ويحيكونه لك من المصائد، فإنهم لن يصلوا إليك، وإني حافظك منهم، وناصرك عليهم.
وفي هذه الآية رمز إلى استتباع أمته له في ذلك كله، لأن كل أمة تقتدي بإمامها وقد خوطب ابن عباس من قبل أحد معزّيه في هذا البيت :
اصبر نكن بك صابرين وإنما صبر الرعية عند صبر الراس
خير من العباس أجرك بعده واللّه خير منك للعباس
هذا على إنه يصح أن يقال فيه :
سأصبر حتى يعلم الناس أنني صبرت على شيء أمر من الصّبر


الصفحة التالية
Icon