فإن قلت : قوله تعالى ﴿ ومنها تأكلون ﴾ يفيد الحصر لأن تقديم الظرف مؤذن بالاختصاص، وقد يؤكل من غيرها.
قلت : الأكل من هذه الأنعام هو الذي يعتمده الناس في معايشهم وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط والإوز وصيد البر والبحر، فغير معتد به في الأغلب : وأكله يجري مجرى التفكه به فخرج ومنها تأكلون مخرج الأغلب في الأكل من هذه الأنعام.
فإن قلت : منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللباس فلم أخر منفعة الأكل وقدم منفعة اللباس؟ قلت : منفعة اللباس أكثر وأعظم من منفعة الأكل فلهذا قدم على الأكل.
وقوله سبحانه وتعالى ﴿ ولكم فيها ﴾ أي في الأنعام ﴿ جمال ﴾ أي زينة ﴿ حين تريحون وحين تسرحون ﴾ الإراحة رد الإبل بالعشي إلى مراحلها حيث تأوي إليه بالليل.
وقال : سرح القوم إبلهم تسريحاً إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى.
قال أهل اللغة : وأكثر ما تكون هذه الراحة أيام الربيع إذا سقط الغيث، ونبت العشب والكلأ وخرجت العرب للنجعة، وأحسن ما تكون النعم في ذلك الوقت فمن الله سبحانه وتعالى بالتجميل بها فيه كما من الانتفاع بها لأنه من أغراض أصحاب المواشي بل هو من معظمها لأن الرعاة إذا سرحوا النعم بالغداة إلى المرعى، وروحوها بالعشي إلى الأفنية والبيوت يسمع للإبل رغاء وللشاء ثغاء يجاوب بعضها بعضاً، فعند ذلك يفرح أربابها بها وتتجمل بها الأفنية والبيوت، ويعظم وقعها عند الناس.
فإن قلت : لم قدمت الإراحة على التسريح؟ قلت : لأن الجمال في الإراحة وهو رجوعها إلى البيوت أكثر منها وقت التسريح لأن النعم تقبل من المرعى ملأى البطون حافلة الضروع، فيفرح أهلها بها بخلاف تسريحها إلى المرعى فإنها تخرج جائعة البطون ضامرة الضروع من اللبن، ثم تأخذ في التفرق والانتشار للرعي في البرية فثبت بهذا البيان أن التجمل في الإراحة، أكثر منه في التسريح فوجب تقديمه. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٤ صـ ﴾