[ النحل : ٨ ] فكذلك ههنا لما ذكر الأنواع المنتفع بها من النبات، قال في صفة البقية :﴿وَمِن كُلّ الثمرات﴾ تنبيهاً على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها لا يمكن ذكره في مجلدات، فالأولى الاقتصار فيه على الكلام المجمل.
ثم قال :﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وههنا بحثان :
البحث الأول : في شرح كون هذه الأشياء آيات دالة على وجود الله تعالى فنقول : إن الحبة الواحدة تقع في الطين فإذا مضت على هذه الحالة مقادير معينة من الوقت نفذت في داخل تلك الحبة أجزاء من رطوبة الأرض ونداوتها فتنتفخ الحبة فينشق أعلاها وأسفلها، فيخرج من أعلى تلك الحبة شجرة صاعدة من داخل الأرض إلى الهواء.
ومن أسفلها شجرة أخرى غائصة في قعر الأرض وهذه الغائصة هي المسماة بعروق الشجرة، ثم إن تلك الشجرة لا تزال تزداد وتنمو وتقوى، ثم يخرج منها الأوراق والأزهار والأكمام والثمار، ثم إن تلك الثمرة تشتمل على أجسام مختلفة الطبائع مثل العنب، فإن قشره وعجمه باردان يابسان كثيفان، ولحمه وماؤه حاران رطبان لطيفان.
إذا عرفت هذا فنقول : نسبة الطبائع السفلية إلى هذا الجسم متشابهة ونسبة التأثيرات الفلكية والتحريكات الكوكبية إلى الكل متشابهة.
ومع تشابه نسب هذه الأشياء ترى هذه الأجسام مختلفة في الطبع والطعم واللون والرائحة والصفة، فدل صريح العقل على أن ذلك ليس إلا لأجل فاعل قادر حكيم رحيم فهذا تقدير هذه الدلالة.
البحث الثاني : أنه تعالى ختم هذه الآية بقوله :﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ والسبب فيه أنه تعالى ذكر أنه :﴿أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً...
يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ﴾
.


الصفحة التالية