وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ وسخر لكم الليل والنهار ﴾ الآية،
قرأ الجمهور بإعمال ﴿ سخر ﴾ في جميع ما ذكر ونصب " مسخراتٍ " على الحال المؤكدة، كما قال تعالى :﴿ وهو الحق مصدقاً ﴾ [ فاطر : ٣١ ] وكما قال الشاعر :[ البسيط ]
أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي... ونحو هذا وقرأ ابن عامر " والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ " برفع هذا كله، وقرأ حفص عن عاصم " والنجومُ مسخراتٌ بأمره " بالرفع ونصب ما قبل ذلك، والمعنى في هذه الآية أن هذه المخلوقات مسخرات على رتبة قد استمر بها انتفاع البشر من السكون بالليل والسعي في المعايش وغير ذلك بالنهار، وأما منافع الشمس والقمر فأكثر من أن تحصى وأما النجوم فهدايات، وبهذا الوجه عدت من جملة النعم على بني آدم، ومن النعمة بها ضياؤها أحياناً، قال الزجاج : وعلم عدد السنين والحساب بها.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر، وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة بن مصرف " والرياح مسخرات " في موضع " النجوم "، ثم قال ﴿ إن في ذلك لآيات ﴾ لعظم الأمر لأن كل واحد مما ذكر آية في نفسه لا يشترك مع الآخر، وقال في الآية قبل الآية لأن شيئاً واحداً يعم تلك الأربعة وهو النبات، وكذلك في ذكر ﴿ ما ذرأ ﴾ [ النحل : ١٣ ] ليسارته بالإضافة، وأيضاً ف " آية " بمعنى " آيات " واحد يراد به الجمع.
﴿ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾
﴿ ذرأ ﴾ معناه بث ونشر، والذرية من هذا في أحد الأقوال في اشتقاقها، وقوله ﴿ ألوانه ﴾ معناه أصنافه، كما تقول هذه ألوان من التمر ومن الطعام، ومن حيث كانت هذه المبثوثات في الأرض أصنافاً فأعدت في النعمة وظهر الانتفاع بها أنه على وجوه، ولا يظهر ذلك من حيث هي متلونة حمرة وصفرة وغير ذلك، ويحتمل أن يكون التنبيه على اختلاف الألوان حمرة وصفرة والأول أبين. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾