وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الليل والنهار ﴾
أي للسكون والأعمال ؛ كما قال :﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ [ القصص : ٧٣ ].
﴿ والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ﴾ أي مُذَلَّلات لمعرفة الأوقات ونضج الثمار والزرع والاهتداء بالنجوم في الظلمات.
وقرأ ابن عباس وابن عامر وأهل الشام "والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ" بالرفع على الابتداء والخبر.
الباقون بالنصب عطفاً على ما قبله.
وقرأ حفص عن عاصم برفع "والنجومُ مسخراتٌ" خبره.
وقرىء "والشمسَ والقمرَ والنجومَ" بالنصب.
عطفاً على الليل والنهار، ورفع النجوم على الابتداء "مسخراتٌ" بالرفع، وهو خبر ابتداء محذوف أي هي مسخرات، وهي في قراءة من نصبها حال مؤكدة ؛ كقوله :﴿ وَهُوَ الحق مُصَدِّقاً ﴾ [ البقرة : ٩١ ].
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي عن الله ما نبّههم عليه ووفقّهم له.
﴿ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى قوله تعالى :﴿ وَمَا ذَرَأَ ﴾ أي وسخّر ما ذرأ في الأرض لكم.
"ذَرَأَ" أي خلق ؛ ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذَرْءاً خلقهم، فهو ذاريء ؛ ومنه الذُّرِّية وهي نسل الثقلين، إلا أن العرب تركت همزها، والجمع الذراري.
يقال : أنمي الله ذَرْأَك وذَرْوَك، أي ذرّيتك.
وأصل الذَّرْو والذَّرْء التفريق عن جمع.
وفي الحديث : ذرء النار ؛ أي أنهم خلقوا لها.
الثانية ما ذرأه الله سبحانه منه مسخر مذلل كالدواب والأنعام والأشجار وغيرها، ومنه غير ذلك.
والدليل عليه ما رواه مالك في الموطأ عن كعب الأحبار قال : لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهودُ حماراً.