وقال أبو السعود :
﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الليل والنهار ﴾
يتعاقبان خِلْفةً لمنامكم ومعاشِكم ولعقد الثمار وإنضاجها ﴿ والشمس والقمر ﴾ يدأبان في سيرهما وإنارتهما أصالةً وخلافةً وإصلاحِهما لما نيط بهما صلاحُه من المكونات التي من جملتها ما فُصّل وأُجْمل، كلُّ ذلك لمصالحكم ومنافعكم، وليس المرادُ بتسخيرها لهم تمكينَهم من تصريفها كيف شاءوا كما في قوله تعالى :﴿ سبحان الذى سَخَّرَ لَنَا هذا ﴾ ونظائرِه، بل هو تصريفُه تعالى لها حسبما يترتب عليه منافعُهم ومصالحُهم كأن ذلك تسخيرٌ لهم وتصرفٌ من قبلهم حسب إرادتِهم، وفي التعبير عن ذلك التصريف بالتسخير إيماءٌ إلى ما في المسخَّرات من صعوبة المأخذ بالنسبة إلى المخاطبين، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدلالة على أن ذلك أمرٌ واحدٌ مستمر وإن تجددت آثارُه.
﴿ والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ، أي سائرُ النجومِ في حركاتها وأوضاعها من التثليث والتربيع ونحوهما مسخراتٌ لله تعالى أو لما خُلقن له بإرادته ومشيئتِه، وحيث لم يكن عَودُ منافعِ النجوم إليهم في الظهور بمثابة ما قبلها من المَلَوَين والقمَرَين لم يُنسَبْ تسخيرُها إليهم بأداة الاختصاص بل ذُكر على وجه يفيد كونَها تحت ملكوتِه تعالى من غير دِلالةٍ على شيء آخرَ ولذلك عُدِل عن الجملة الفعليةِ الدالة على الحدوث إلى الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار.