والمنفعة الثانية : قوله :﴿ومنافع﴾ قالوا : المراد نسلها ودرها، وإنما عبر الله تعالى عن نسلها ودرها بلفظ المنفعة وهو اللفظ الدال على الوصف الأعم، لأن النسل والدر قد ينتفع به في الأكل وقد ينتفع به في البيع بالنقود، وقد ينتفع به بأن يبدل بالثياب وسائر الضروريات فعبر عن جملة هذه الأقسام بلفظ المنافع ليتناول الكل.
والمنفعة الثالثة : قوله :﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾.
فإن قيل : قوله :﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ يفيد الحصر وليس الأمر كذلك، فإنه قد يؤكل من غيرها، وأيضاً منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللبس، فلم أخر منفعته في الذكر ؟
قلنا : الجواب عن الأول : إن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط وصيد البر والبحر، فيشبه غير المعتاد.
وكالجاري مجرى التفكه، ويحتمل أيضاً أن غالب أطعمتكم منها لأنكم تحرثون بالبقر والحب والثمار التي تأكلونها منها، وأيضاً تكتسبون باكراء الإبل وتنتفعون بألبانها ونتاجها وجلودها، وتشترون بها جميع أطعمتكم.
والجواب عن السؤال الثاني : أن الملبوس أكثر بقاء من المطعوم، فلهذا قدمه عليه في الذكر.
واعلم أن هذه المنافع الثلاثة هي المنافع الضرورية الحاصلة من الأنعام.
وأما المنافع الحاصلة من الأنعام التي هي ليست بضرورية فأمور :
المنفعة الأولى : قوله تعالى :﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ الإراحة رد الإبل بالعشي إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلاً، ويقال : سرح القوم إبلهم سرحاً إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى.
قال أهل اللغة : هذه الإراحة أكثر ما تكون أيام الربيع إذا سقط الغيث وكثر الكلأ وخرجت العرب للنجعة، وأحسن ما يكون النعم في ذلك الوقت.