وقال ابن عطية :
قوله ﴿ خلق الإنسان من نطفة ﴾
يريد ب ﴿ الإنسان ﴾ الجنس، وأخذ له الغايتين ليظهر له البعد بينهما بقدرة الله، ويروى أن الآية نزلت لقول أبي بن خلف من يحيي العظام وهي رميم؟ وقوله ﴿ خصيم ﴾ يحتمل أن يريد به الكفرة الذين يختصمون في الله ويجادلون في توحيده وشرعه، ذكره ابن سلام عن الحسن البصري، ويحتمل أن يريد أعم من هذا على أن الآية تعديد نعمة الذهن والبيان على البشر، ويظهر أنها إذا تقدر في خصام الكافرين ينضاف إلى العبرة وعيد ما.
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) ﴾
﴿ الأنعام ﴾ الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يقال نعم وأنعام للإبل، ويقال للمجموع، ولا يقال للغنم مفردة، ونصبها إما عطف على ﴿ الإنسان ﴾ [ النحل : ٤ ] وإما بفعل مقدر وهو أوجه، و" الدفء " السخانة وذهاب البرد بالأكسية ونحوها، وذكر النحاس عن الأموي أنه قال : الدفء في لغة بعضهم تناسل الإبل.
قال القاضي أبو محمد : وقد قال ابن عباس : نسل كل شيء، وقد قال ابن سيده :" الدفء " نتاج الإبل وأوبارها والانتفاع بها، والمعنى الأول هو الصحيح، وقرأ الزهري وأبو جعفر " دفء " بضم الفاء وشدها وتنوينها، و" المنافع " ألبانها وما تصرف منها ودهونها وحرثها والنضح عليها وغير ذلك، ثم ذكر " الأكل " الذي هو من جميعها، وقوله ﴿ جمال ﴾ أي في المنظر. و﴿ تريحون ﴾ معناه حين تردونها وقت الرواح إلى المنازل فتأتي بطاناً ممتلئة الضروع، و﴿ تسرحون ﴾ معناه تخرجونها غدوة إلى السرح، تقول سرحت السائمة إذا أرسلتها تسرح فسرحت هي، كرجع رجعته، وهذا " الجمال " هو لمالكها ولمحبيه وعلى حسدته وهذا المعنى كقوله تعالى ﴿ المال والبنون زينة الحياة الدنيا ﴾ [ الكهف : ٤٦ ] وقرأ عكرمة والضحاك " حينما تريحون حيناً تسرحون "، وقرأت فرقة " وحيناً ترتحون ".
قال القاضي أبو محمد : وأظنها تصحيفاً. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾