واعلم أنه تعالى لما حكى شبههم قال :﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة﴾ اللام في ليحملوا لام العاقبة، وذلك أنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير الأولين لأجل أن يحملوا الأوزار، ولكن لما كانت عاقبتهم ذلك حسن ذكر هذه اللام كقوله :﴿فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ﴾ [ القصص : ٨ ] وقوله :﴿كَامِلَةٌ﴾ معناه : أنه تعالى لا يخفف من عقابهم شيئاً، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم، وأقول : هذا يدل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين، إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً في حق الكل، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل معنى، وقوله :﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ﴾ معناه : ويحصل للرؤساء مثل أوزار الأتباع، والسبب فيه ما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال :" أيما داع دعا إلى الهدى فاتبع كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص من أجورهم شيء وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع كان عليه مثل وزر من اتبعه لا ينقص من آثامهم شيء "
واعلم أنه ليس المراد منه أنه تعالى يوصل العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء، وذلك لأن هذا لا يليق بعدل الله تعالى، والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى ﴾
[ النجم : ٣٩ ] وقوله :﴿وَلاَ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى﴾ [ الإسراء : ١٥ ] بل المعنى : أن الرئيس إذا وضع سنة قبيحة عظم عقابه، حتى أن ذلك العقاب يكون مساوياً لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع، قال الواحدي : ولفظه :﴿مِنْ﴾ في قوله :﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ﴾ ليست للتبعيض، لأنها لو كانت للتبعيض لخف عن الأتباع بعض أوزارهم، وذلك غير جائز، لقوله عليه السلام :" من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " ولكنها للجنس، أي ليحملوا من جنس أوزار الأتباع.