وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إلهكم إله وَاحِدٌ ﴾
لما بيّن استحالة الإشراك بالله تعالى بيّن أن المعبود واحد لا ربّ غيره ولا معبود سواه.
﴿ فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ ﴾ أي لا تقبل الوعظ ولا ينجع فيها الذكر، وهذا ردّ على القدرية.
﴿ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي متكبرون متعظمون عن قبول الحق.
وقد تقدم في "البقرة" معنى الاستكبار.
﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أي من القول والعمل فيجازيهم.
قال الخليل :"لا جرم" كلمة تحقيق ولا تكون إلا جواباً ؛ يقال : فعلوا ذلك ؛ فيقال : لا جرم سيندمون.
أي حقاً أن لهم النار.
وقد مضى القول في هذا في "هود" مستوفىً.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين ﴾ أي لا يثيبهم ولا يثني عليهم.
وعن الحسين بن عليّ أنه مرّ بمساكين قد قدّموا كِسَراً بينهم وهم يأكلون فقالوا : الغذاءَ يا أبا عبد الله، فنزل وجلس معهم وقال "إنه لا يحِب المستكبِرِين" فلما فرغ قال : قد أجبتَكم فأجيبوني ؛ فقاموا معه إلى منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم وانصرفوا.
قال العلماء.
وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إلا الكبر ؛ فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله.
وفي الحديث الصحيح :" إن المتكبرين يحشرون أمثال الذَّرّ يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم " أو كما قال ﷺ :" تَصْغُر لهم أجسامُهم في المحشر حتى يضرهم صِغَرُها وتَعْظُم لهم في النار حتى يضرهم عِظَمُها".
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ﴾
يعني وإذا قيل لمن تقدم ذكره ممن لا يؤمن بالآخرة وقلوبهم منكرة بالبعث "ماذا أنزل ربكم".


الصفحة التالية
Icon