ولما ذكر المنافع العامة مخاطباً لهم بها، وكان المخر - وهو أن تجري السفينة مستقبلة الريح، فتشق الماء، فيسمع لجريها صوت معجب، وذلك مع الحمل الثقيل - آية عظيمة لا يتأملها إلا أرباب القلوب خص بالخطاب أعلى أولي الألباب، ومن قاربه في ابتغاء الصواب، فقال :﴿وترى الفلك﴾ ولما كان النظر إلى تعداد النعم هنا أتم منه في سورة فاطر، قدم المخر في قوله :﴿مواخر فيه﴾ أي جواري تشق الماء مع صوت، لتركبوها فتستدلوا - بعدم رسوبها فيه مع ميوعه ورقته وشدة لطافته - على وحدانية الإله وقدرته.
ولما علل التسخير بمنفعة البحر نفسه من الأكل وما تبعه، عطف على ذلك النفع به، فقال تعالى :﴿ولتبتغوا﴾ أي تطلبوا طلباً عظيماً بركوبه ﴿من فضله﴾ أي الله بالتوصل بها إلى البلدان الشاسعة للمتاجر وغيرها ﴿ولعلكم تشكرون﴾ هذه النعم التي أنتم عاجزون عنها لولا تسخيره ؛ والمخر : شق الماء عن يمين وشمال، وهو أيضاً صوت هبوب الريح إذا اشتد هبوبها، وقد ابتدىء فيه بما يغوص تارة ويطف أخرى بالاختيار، وثنى بما طبعه الرسوب، وثلث بما من طبعه الطفوف. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٢٥٣ ـ ٢٥٤﴾


الصفحة التالية
Icon