فصل
قال الفخر :
﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾
اعلم أن المقصود من الآية المبالغة في وصف وعيد أولئك الكفار، وفي المراد بالذين من قبلهم قولان :
القول الأول : وهو قول الأكثر من المفسرين أن المراد منه نمروذ بن كنعان بنى صرحاً عظيماً ببابل طوله خمسة آلاف ذراع.
وقيل فرسخان، ورام منه الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها، فالمراد بالمكر ههنا بناء الصرح لمقاتلة أهل السماء.
والقول الثاني : وهو الأصح، أن هذا عام في جميع المبطلين الذين يحاولون إلحاق الضرر والمكر بالمحقين.
أما قوله تعالى :﴿فَأَتَى الله بنيانهم مّنَ القواعد﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
أن الإتيان والحركة على الله محال، فالمراد أنهم لما كفروا أتاهم الله بزلازل قلع بها بنيانهم من القواعد والأساس.
المسألة الثانية :
في قوله :﴿فَأَتَى الله بنيانهم مّنَ القواعد﴾ قولان :
القول الأول : أن هذا محض التمثيل، والمعنى أنهم رتبوا منصوبات ليمكروا بها أنبياء الله تعالى فجعل الله تعالى حالهم في تلك المنصوبات مثل حال قوم بنوا بنياناً وعمدوه بالأساطين فانهدم ذلك البناء، وضعفت تلك الأساطين، فسقط السقف عليهم.
ونظيره قولهم : من حفر بئراً لأخيه أوقعه الله فيه.
والقول الثاني : أن المراد منه ما دل عليه الظاهر، وهو أنه تعالى أسقط عليهم السقف وأماتهم تحته، والأول أقرب إلى المعنى.
أما قوله تعالى :﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ﴾ ففيه سؤال : وهو أن السقف لا يخر إلا من فوقهم، فما معنى هذا الكلام.
وجوابه من وجهين : الأول : أن يكون المقصود بالتأكيد.