ثم قال :﴿فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين﴾ أما المعتزلة فقالوا : معناه أن الله تعالى ما منع أحداً من الإيمان وما أوقعه في الكفر، والرسل ليس عليهم إلا التبليغ، فلما بلغوا التكاليف وثبت أنه تعالى ما منع أحداً عن الحق كانت هذه الشبهة ساقطة.
أما أصحابنا فقالوا : معناه أنه تعالى أمر الرسل بالتبليغ.
فهذا التبليغ واجب عليهم، فأما أن الإيمان هل يحصل أم لا يحصل فذلك لا تعلق للرسول به، ولكنه تعالى يهدي من يشاء بإحسانه ويضل من يشاء بخذلانه.
المسألة الثالثة :
احتج أصحابنا في بيان أن الهدى والضلال من الله بقوله :﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ وهذا يدل على أنه تعالى كان أبداً في جميع الملل والأمم آمراً بالإيمان وناهياً عن الكفر.
ثم قال :﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة﴾ يعني : فمنهم من هداه الله إلى الإيمان والصدق والحق، ومنهم من أضله عن الحق وأعماه عن الصدق وأوقعه في الكفر والضلال، وهذا يدل على أن أمر الله تعالى لا يوافق إرادته، بل قد يأمر بالشيء ولا يريده وينهى عن الشيء ويريده كما هو مذهبنا.
والحاصل أن المعتزلة يقولون : الأمر والإرادة متطابقان أما العلم والإرادة فقد يختلفان، ولفظ هذه الآية صريح في قولنا وهو أن الأمر بالإيمان عام في حق الكل أما إرادة الإيمان فخاصة بالبعض دون البعض.
أجاب الجبائي : بأن المراد :﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله﴾ لنيل ثوابه وجنته :﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة﴾ أي العقاب.
قال : وفي صفة قوله :﴿حَقَّتْ عَلَيْهِ﴾ دلالة على أنها العذاب دون كلمة الكفر لأن الكفر والمعصية لا يجوز وصفهما بأنه حق.