وأيضاً قال تعالى بعده :﴿فَسِيرُواْ فِى الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين﴾ وهذه العاقبة هي آثار الهلاك لمن تقدم من الأمم الذين استأصلهم الله تعالى بالعذاب، وذلك يدل على أن المراد بالضلال المذكور هو عذاب الاستئصال.
وأجاب الكعبي عنه بأنه قال : قوله :﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله﴾ أي من اهتدى فكان في حكم الله مهتدياً، ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة﴾ يريد : من ظهرت ضلالته، كما يقال للظالم : حق ظلمك وتبين، ويجوز أن يكون المراد : حق عليهم من الله أن يضلهم إذا ضلوا كقوله :
﴿وَيُضِلُّ الله الظالمين﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ].
واعلم أنا بينا في آيات كثيرة بالدلائل العقلية القاطعة أن الهدى والإضلال لا يكونان إلا من الله تعالى فلا فائدة في الإعادة، وهذه الوجوه المتعسفة والتأويلات المستكرهة قد بينا ضعفها وسقوطها مراراً، فلا حاجة إلى الإعادة، والله أعلم.
المسألة الرابعة :
في الطاغوت قولان : أحدهما : أن المراد به : اجتنبوا عبادة ما تعبدون من دون الله، فسمى الكل طاغوتاً، ولا يمتنع أن يكون المراد : اجتنبوا طاعة الشيطان في دعائه لكم.
المسألة الخامسة :
قوله تعالى :﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة﴾ يدل على مذهبنا، لأنه تعالى لما أخبر عنه أنه حقت عليه الضلالة امتنع أن لا يصدر منه الضلالة، وإلا لانقلب خبر الله الصدق كذباً، وذلك محال ومستلزم المحال محال، فكان عدم الضلالة منهم محالاً، ووجود الضلالة منهم واجباً عقلاً، فهذه الآية دالة على صحة مذهبنا في هذه الوجوه الكثيرة، والله أعلم.
ونظائر هذه الآية كثيرة منها قوله :﴿فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة﴾ [ الأعراف : ٣٠ ] وقوله :﴿إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [ يونس : ٩٦ ] وقوله :﴿لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ﴾ [ يس : ٧ ].


الصفحة التالية
Icon