والوجه الثالث : أن قوله :﴿أَن نَّقُولَ لَهُ﴾ لا خلاف أن ذلك ينبىء عن الاستقبال.
والوجه الرابع : أن قوله :﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ يدل على أن حدوث الكون حاصل عقيب قوله :﴿كُنْ﴾ فتكون كلمة ﴿كُنْ﴾ متقدمة على حدوث الكون بزمان واحد، والمتقدم على المحدث بزمان واحد يجب أن يكون محدثاً.
والوجه الخامس : أنه معارض بقوله تعالى :﴿وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً﴾ [ النساء : ٤٧ ]، ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ [ الأحزاب : ٣٨ ].
﴿الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث﴾ [ الزمر : ٢٣ ].
﴿فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ﴾ [ الطور : ٣٤ ]، ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إماماً وَرَحْمَةً﴾ [ الأحقاف : ١٢ ].
فإن قيل : فهب أن هذه الآية لا تدل على قدم الكلام، ولكنكم ذكرتم أنها تدل على حدوث الكلام فما الجواب عنه ؟.
قلنا : نصرف هذه الدلائل إلى الكلام المسموع الذي هو مركب من الحروف والأصوات، ونحن نقول بكونه محدثاً مخلوقاً.
والله أعلم.
﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة دل ذلك على أنهم تمادوا في الغي، والجهل، والضلال، وفي مثل هذه الحالة لا يبعد إقدامهم على إيذاء المسلمين وضرهم، وإنزال العقوبات بهم، وحينئذ يلزم على المؤمنين أن يهاجروا عن تلك الديار والمساكن، فذكر تعالى في هذه الآية حكم تلك الهجرة وبين ما لهؤلاء المهاجرين من الحسنات في الدنيا، والأجر في الآخرة من حيث هاجروا وصبروا وتوكلوا على الله، وذلك ترغيب لغيرهم في طاعة الله تعالى.