قال القاضي أبو محمد : وعلى كل قول فالآية تتناول بالمعنى كل من هاجر أولاً وآخراً. وقرأ الجمهور " لنبوئنهم " وقرأ ابن مسعود ونعيم بن ميسرة والربيع بن خثيم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. " لنثوينهم " وهاتان اللفظتان معناهما التقرير، فقالت فرقة : الحسنة عِدَةٌ ببقعة شريفة كشف الغيب أنها كانت المدينة، وإليها كانت الإشارة بقوله ﴿ حسنة ﴾ وقالت فرقة : الحسنة لسان الصدق الباقي عليهم في غابر الدهر.
قال القاضي أبو محمد : وفي ﴿ لنبوئنهم ﴾ أو " لنثوينهم " على هذا التأويل في لسان الصدق تجوز كثير واستعارة بعيدة، وهذا على أن ﴿ حسنة ﴾ هي المباءة والمثوى، وأن الفعل الظاهر عامل فيها، وقال أبو الفتح : نصبها على معنى نحسن إليهم في ذلك إحساناً، وجعلت ﴿ حسنة ﴾ موضع إحساناً، وذهبت فرقة إلى أن الحسنة عامة في كل ما يستحسن أن يناله ابن آدم وتخف الاستعارة المذكورة على هذا التأويل، وفي هذا القول يدخل ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يعطي المال وقت القسمة للرجل من المهاجرين ويقول له : خذ ما وعدك الله في الدنيا، ﴿ ولأجر الآخرة أكبر ﴾، ثم يتلو هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد : ويدخل في هذا القول النصر على العدو وفتح البلاد، وكل أمل أبلغه المهاجرون، و" أجر الآخرة " هنا إشارة إلى الجنة، والضمير في ﴿ يعلمون ﴾ عائد إلى كفار قريش، وجواب ﴿ لو ﴾ مقدر محذوف، ومفعول ﴿ يعلمون ﴾ كذلك، وفي هذا نظر، وقوله ﴿ الذين صبروا ﴾ من صفة المهاجرين الذين وعدهم الله، والصبر يجمع عن الشهوات وعلى المكاره في الله تعالى، و" التوكل " تتفاضل مراتبه، فمطيل فيه وذلك مباح حسن ما لم يغل حتى يسبب الهلاك، ومتوسط يسعى جميلاً، وهذا مع قول النبي ﷺ :" قيدها وتوكل "، ومقصر لا نفع في تقصيره وإنما له ما قدر له. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾