وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ ﴾
قراءة العامة "يُوحَى" بالياء وفتح الحاء.
وقرأ حفص عن عاصم "نُوحي إليهم" بنون العظمة وكسر الحاء.
نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوّة محمد ﷺ وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فهلاّ بعث إلينا مَلَكاً ؛ فردّ الله تعالى عليهم بقوله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ﴾ إلى الأمم الماضية يا محمد "إلا رِجالا" آدميين.
﴿ فاسألوا أَهْلَ الذكر ﴾ قال سفيان : يعني مؤمني أهل الكتاب.
﴿ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشراً.
وقيل : المعنى فاسألوا أهل الكتاب فإن لم يؤمنوا فهم معترفون بأن الرسل كانوا من البشر.
رُوِيَ معناه عن ابن عباس ومجاهد.
وقال ابن عباس : أهل الذكر أهل القرآن.
وقيل : أهل العلم، والمعنى متقارب.
﴿ بالبينات والزبر ﴾ قيل :"بالبينات" متعلق ب "أرسلنا".
وفي الكلام تقديم وتأخير، أي ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالاً أي غير رجال، ف "إلاّ" بمعنى غير ؛ كقوله : لا إله إلا الله، وهذا قول الكلبيّ نوحِي إليهم.
وقيل : في الكلام حذف دل عليه "أرسلنا" أي أرسلناهم بالبينات والزبر.
ولا يتعلق "بِالبيناتِ" ب "أرسلنا" الأوّل على هذا القول ؛ لأن ما قبل "إلاّ" لا يعمل فيما بعدها، وإنما يتعلق بأرسلنا المقدّرة، أي أرسلناهم بالبينات.
وقيل : مفعول ب "تعلمون" والباء زائدة، أو نصب بإضمار أعني ؛ كما قال الأعشى :
وليس مُجِيراً إن أتى الحيَّ خائف...
ولا قائلاً إلا هو المتعيَّبَا
أي أعني المتعِيّب.
والبينات : الحجج والبراهين.
والزُّبُر : الكتب.
وقد تقدّم في آل عمران.
﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر ﴾ يعني القرآن.


الصفحة التالية
Icon