وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألونهم ويسدون إليهم انتهى.
والأجود أن يتعلق قوله : بالبينات، بمضمر يدل عليه ما قبله كأنه قيل : ثم أرسلوا؟ قال : أرسلناهم بالبينات والزبر، فيكون على كلامين، وقاله : الزمخشري وابن عطية وغيرهما.
وقد يتعلق بقوله : وما أرسلنا، وهذا فيه وجهان : أحدهما : أنّ النية فيه التقديم قبل أداة الاستثناء، والتقدير : وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالاً حتى لا يكون ما بعد إلا معمولين متأخرين لفظاً ورتبة، داخلين تحت الحصر لما قبلها، وهذا حكاه ابن عطية عن فرقة.
والوجه الثاني : أنْ لا ينوي به التقديم، بل وقعا بعد إلا في نية الحصر، وهذا قاله الحوفي والزمخشري، وبدأ به قال : تتعلق بما أرسلنا داخلاً تحت حكم الاستثناء مع رجالاً أي : وما أرسلنا إلا رجالاً بالبينات، كقولك : ما ضربت إلا زيداً بالسوط، لأن أصله ضربت زيداً بالسوط انتهى.
وقال أبو البقاء : وفيه ضعف، لأنّ ما قبل إلا لا يعمل فيما بعدها إذا تم الكلام على إلا وما يليها، إلا أنه قد جاء في الشعر.
قال الشاعر :
ليتهم عذبوا بالنار جارهم...
ولا يعذب إلا الله بالنار
انتهى.
وهذا الذي أجازه الحوفي والزمخشري لا يجوز على مذهب جمهور البصريين، لأنهم لا يجيزون أن يقع بعد إلا، إلا مستثنى، أو مستثنى منه، أو تابعاً، وما ظن من غير الثلاثة معمولاً لما قبل إلاّ قدر له عامل.
وأجاز الكسائي أن تقع معمولاً لما قبلها منصوب نحو : ما ضرب إلا زيد عمراً، ومخفوض نحو : ما مرّ إلا زيد بعمرو، ومرفوع نحو : ما ضرب إلا زيداً عمرو.
ووافقه ابن الأنباري في الموفوع، والأخفش في الظرف والجار والحال.
فالقول الذي قاله الحوفي والزمخشري يتمشى على مذهب الكسائي والأخفش، ودلائل هذه المذاهب مذكورة في علم النحو.