﴿ قد مكر الذين من قبلهم. فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. ثم يوم القيامة يخزيهم، ويقول : أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم؟ قال الذين أوتوا العلم : إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين، الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء. بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون. فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فلبئس مثوى المتكبرين ﴾.
﴿ قد مكر الذين من قبلهم ﴾ والتعبير يصور هذا المكر في صورة بناء ذي قواعد وأركان وسقف إشارة إلى دقته وإحكامه ومتانته وضخامتة. ولكن هذا كله لم يقف أمام قوة الله وتدبيره :﴿ فأتى الله بنيانهم من القواعد، فَخَرَّ عليهم السقف من فوقهم ﴾ وهو مشهد للتدمير الكامل الشامل، يطبق عليهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فالقواعد التي تحمل البناء تحطم وتهدم من أساسها، والسقف يخر عليهم من فوقهم فيطبق عليهم ويدفنهم ﴿ وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ فإذا البناء الذي بنوه وأحكموه واعتمدوا على الاحتماء فيه. إذا هو مقبرتهم التي تحتويهم، ومهلكتهم التي تأخذهم من فوقهم ومن أسفل منهم. وهو الذي اتخذوه للحماية ولم يفكروا أن يأتيهم الخطر من جهته!
إنه مشهد كامل للدمار والهلاك، وللسخرية من مكر الماكرين وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله، ويحسبون مكرهم لا يرد، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط!
وهو مشهد مكرر في الزمان قبل قريش وبعدها. ودعوة الله ماضية في طريقها مهما يمكر الماكرون، ومهما يدبر المدبرون. وبين الحين والحين يتلفت الناس فيذكرون ذلك المشهد المؤثر الذي رسمه القرآن الكريم :﴿ فأتى الله بنيانهم من القواعد فَخَرَّ عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾.
هذا في الدنيا، وفي واقع الأرض :﴿ ثم يوم القيامة يخزيهم، ويقول : اين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم؟ ﴾.


الصفحة التالية
Icon