وقال صاحب روح البيان :
قوله تعالى ﴿ وما أرسلنا مِن قَبْلِكَ﴾ أي : الأمم الماضية ﴿إِلا رِجَالا﴾ آدميين لا ملكاً وقوله تعالى :﴿جَاعِلِ الملائكة رُسُلا﴾ (فاطر : ١) أي : إلى الملائكة أو إلى الأنبياء ولا امرأة إذ مبني حالها على الستر والنبوة تقتضي الظهور ولا صبياً ونبوة عيسى في المهد لا تنافيه إذ الرسالة أخص.
قال ابن الجوزي اشتراط الأربعين في حق الأنبياء ليس بشيء.
﴿نُّوحِى إِلَيْهِمْ﴾ على ألسنة الملائكة في الأغلب وأكثر الأمر وفيه إشارة إلى أن الرسالة والنبوة والولاية لا تسكن إلا في قلوب الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا يبيع عن ذكر الله :
نه هركس سزاوار باشد بصدر
كرامت بفضلست ورتبت بقدر
﴿فسْاَلُوا﴾ أي : فإن شككتم في ذلك فاسألوا يا معشر قريش ﴿أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ علماء أهل الكتاب ليخبروكم أن الله تعالى لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشراً وكانوا يشاورونهم في بعض الأمور ولذلك أحالهم إلى هؤلاء للإلزام ﴿إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ذلك.
وفي الآية إشارة إلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم.
وسئل الإمام الغزالي رحمه الله : من أين حصل لك الإحاطة بالعلوم أصولها وفروعها فتلا هذه الآية أي : أفاد أن ذلك العلم الكلي إنما حصل باستعلام المجهول من العلماء وترك العار وقد ورد (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها) يعني ينبغي للمؤمن أن يطلب الحكمة كما يطلب ضالته.
﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ بالمعجزات والكتب والباء متعلقة بمقدر وقع جواباً عن سؤال من قال بم أرسلوا فقيل : أرسلوا بالبينات والزبر.
والبينات جمع بينة وهي الواضحة.
والزبر جمع زبور وهو الكتاب بمعنى المزبور أي : المكتوب ﴿وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ أي : القرآن إنما سمي به لأنه تذكير وتنبيه للغافلين.