وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾
ذكر نوعاً آخر من جهالتهم، وأنهم يجعلون لما لايعلمون أنه يضر وينفع وهي الأصنام شيئاً من أموالهم يتقرّبون به إليه ؛ قاله مجاهد وقتادة وغيرهما.
ف"يعلمون" على هذا للمشركين.
وقيل : هي للأوثان، وجرى بالواو والنون مجرى من يعقل، فهو رد على "ما" ومفعول يعلم محذوف، والتقدير : ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعلم شيئاً نصيباً.
وقد مضى في "الأنعام" تفسير هذا المعنى في قوله ﴿ فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا ﴾ ثم رجع من الخبر إلى الخطاب فقال :﴿ تالله لَتُسْأَلُنَّ ﴾ وهذا سؤال توبيخ.
﴿ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾ أي تختلقونه من الكذب على الله أنه أمركم بهذا.
قوله تعالى :﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات ﴾
نزلت في خُزاعة وكنانة ؛ فإنهم زعموا أن الملائكة بنات الله، فكانوا يقولون ألحقوا البنات بالبنات.
﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ نزّه نفسه وعظمها عما نسبوه إليه من اتخاذ الأولاد.
﴿ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ أي يجعلون لأنفسهم البنين ويأنفون من البنات.
وموضع "ما" رفع بالابتداء، والخبر "لهم" وتم الكلام عند قوله :"سبحانه".
وأجاز الفراء كونها نصباً، على تقدير : ويجعلون لهم ما يشتهون.
وأنكره الزجاج وقال : العرب تستعمل في مثل هذا ويجعلون لأنفسهم.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ﴾
أي أخبر أحدهم بولادة بنت.
﴿ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً ﴾ أي متغيراً، وليس يريد السواد الذي هو ضد البياض، وإنما هو كناية عن غمه بالبنت.
والعرب تقول لكل من لقي مكروهاً : قد اسود وجهه غَمّاً وحزناً ؛ قاله الزجاج.
وحكى الماوردي أن المراد سوادُ اللون قال : وهو قول الجمهور.
﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ أي ممتلىء من الغم.
وقال ابن عباس : حزين.
وقال الأخفش : هو الذي يكظم غيظه فلا يظهره.


الصفحة التالية
Icon