واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا الكلام قال :﴿إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ﴾ والمعنى : أنه لما دلت الدلائل السابقة على أنه لا بد للعالم من الإله، وثبت أن القول بوجود الإلهين محال، ثبت أنه لا إله إلا الواحد الأحد الحق الصمد.
ثم قال بعده :﴿فإياي فارهبون﴾ وهذا رجوع من الغيبة إلى الحضور، والتقدير : أنه لما ثبت أن الإله واحد وثبت أن المتكلم بهذا الكلام إله، فحينئذ ثبت إنه لا إله للعالم إلا المتكلم بهذا الكلام، فحينئذ يحسن منه أن يعدل من الغيبة إلى الحضور، ويقول :﴿فإياي فارهبون﴾ وفيه دقيقة أخرى وهو أن قوله :﴿فإياي فارهبون﴾ يفيد الحصر، وهو أن لا يرهب الخلق إلا منه، وأن لا يرغبوا إلا في فضله وإحسانه، وذلك لأن الموجود إما قديم وإما محدث، أما القديم الذي هو الإله فهو واحد، وأما ما سواه فمحدث، وإنما حدث بتخليق ذلك القديم وبإيجاده، وإذا كان كذلك فلا رغبة إلا إليه ولا رهبة إلا منه، فبفضله تندفع الحاجات وبتكوينه وبتخليقه تنقطع الضرورات.
ثم قال بعده :﴿وَلَهُ مَا فِى السموات والأرض﴾ وهذا حق، لأنه لما كان الإله واحداً، والواجب لذاته واحداً، كان كل ما سواه حاصلاً بتخليقه وتكوينه وإيجاده، فثبت بهذا البرهان صحة قوله :﴿وَلَهُ مَا فِى السموات والأرض﴾ واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، لأن أفعال العباد من جملة ما في السموات والأرض، فوجب أن تكون أفعال العباد لله تعالى، وليس المراد من كونها لله تعالى أنها مفعولة لله لأجله ولغرض طاعته، لأن فيها المباحات والمحظورات التي يؤتى بها لغرض الشهوة واللذة، لا لغرض الطاعة، فوجب أن يكون المراد من قولنا إنها لله أنها واقعة بتكوينه وتخليقه وهو المطلوب.
ثم قال بعده :﴿وَلَهُ الدين وَاصِبًا﴾ الدين ههنا الطاعة، والواصب الدائم.


الصفحة التالية
Icon