إذا عرفت هذا فقوله :﴿وله ما في السموات والأرض﴾ معناه : أن كل ما سوى الحق فإنه محتاج في انقلابه من العدم إلى الوجود أو من الوجود إلى العدم إلى مرجح ومخصص، وقوله :﴿وله الدين واصباً﴾ معناه أن هذا الانقياد وهذا الاحتياج حاصل دائماً أبداً، وهو إشارة إلى ما ذكرناه من أن الممكن حال بقائه لا يستغني عن المرجح والمخصص، وهذه دقائق من أسرار العلوم الإلهية مودعة في هذه الألفاظ الفائضة من عالم الوحي والنبوة.
ثم قال تعالى :﴿أفغير الله تتقون﴾ والمعنى : أنكم بعد ما عرفتم أن إله العالم واحد وعرفتم أن كل ما سواه محتاج إليه في وقت حدوثه، ومحتاج إليه أيضاً في وقت دوامه وبقائه، فبعد العلم بهذه الأصول كيف يعقل أن يكون للإنسان رغبة في غير الله تعالى أو رهبة عن غير الله تعالى ؟ فلهذا المعنى قال على سبيل التعجب :﴿أفغير الله تتقون ﴾.
ثم قال :﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
أنه لما بين بالآية الأولى أن الواجب على العاقل أن لا يتقي غير الله، بين في هذه الآية أنه يجب عليه أن لا يشكر أحداً إلا الله تعالى، لأن الشكر إنما يلزم على النعمة، وكل نعمة حصلت للإنسان فهي من الله تعالى لقوله :﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ فثبت بهذا أن العاقل يجب عليه أن لا يخاف وأن لا يتقي أحداً إلا الله وأن لا يشكر أحداً إلا الله تعالى.
المسألة الثانية ؛ احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الإيمان حصل بخلق الله تعالى فقالوا الإيمان نعمة، وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله :﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ ينتج أن الإيمان من الله وإنما قلنا : إن الإيمان نعمة، لأن المسلمين مطبقون على قولهم : الحمد لله على نعمة الإيمان، وأيضاً فالنعمة عبارة عن كل ما يكون منتفعاً به، وأعظم الأشياء في النفع هو الإيمان، فثبت أنا لإيمان نعمة.


الصفحة التالية
Icon