وإذا ثبت هذا فنقول : وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله تعالى :﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ وهذه اللفظة تفيد العموم، وأيضاً مما يدل علىأن كل نعمة فهي من الله، لأن كل ما كان موجوداً فهو إما واجب لذاته، وإما ممكن لذاته، والواجب لذاته ليس إلا الله تعالى، والممكن لذاته لا يوجد إلا لمرجح، وذلك المرجح إن كان واجباً لذاته كان حصول ذلك الممكن بإيجاد الله تعالى وإن كان ممكناً لذاته عاد التقسيم الأول فيه، ولا يذهب إلى التسلسل، بل ينتهي إلى إيجاد الواجب لذته، فثبت بهذا البيان أن كل نعمة فهي من الله تعالى.
المسألة الثالثة :
النعم إما دينية وإما دنيوية، أما النعم الدينية فهي إما معرفة الحق لذاته وإما معرفة الخير لأجل العمل به، وأما النعم الدنيوية فهي إما نفسانية، وإما بدنية وإما خارجية وكل واحد من هذه الثلاثة جنس تحته أنواع خارجة عن الحصر والتحديد كما قال :﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ] والإشارة إلى تفصيل تلك الأنواع قد ذكرناها مراراً فلا نعيدها.
المسالة الرابعة : إنما دخلت الفاء في قوله :﴿فمن الله﴾ لأن الباء في قوله :﴿بكم﴾ متصلة بفعل مضمر، والمعنى : ما يكن بكم أو ما حل بكم من نعمة فمن الله.
ثم قال تعالى :﴿ثم إِذا مسكم الضر﴾ قال ابن عباس : يريد الأسقام والأمراض والحاجة :﴿فإليه تجأرون﴾ أي ترفعون أصواتكم بالاستغاثة، وتتضرعون إليه بالدعاء يقال : جأر يجأر جؤاراً وهو الصوت الشديد كصوت البقرة، وقال الأعشى يصف راهباً :
يراوح من صلوات المليك.. طوراً سجوداً وطوراً جؤارا


الصفحة التالية
Icon