والمعنى : أنه تعالى بين أن جميع النعم من الله تعالى، ثم إذا اتفق لأحد مضرة توجب زوال شيء من تلك النعم فإلى الله يجأر، أي لا يستغيث أحداً إلا الله تعالى لعلمه بأنه لا مفزع للخلق إلا هو، فكأنه تعالى قال لهم فأين أنتم عن هذه الطريقة في حال الرخاء والسلامة، ثم قال بعده :﴿ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون﴾ فبين تعالى أن عند كشف الضر وسلامة الأحوال يفترقون ففريق منهم يبقى على مثل ما كان عليه عند الضر في أن لا يفزع إلا إلى الله تعالى، وفريق منهم عند ذلك يتغيرون فيشركون بالله غيره، وهذا جهل وضلال، لأنه لما شهدت فطرته الأصلية وخلقته الغريزية عند نزول البلاء والضراء والآفات والمخافات أن لا مفزع إلا إلى الواحد، ولا مستغاث إلا الواحد فعند زوال البلاء والضراء وجب أن يبقى على ذلك الاعتقاد، فأما أنه عند نزول البلاء يقر بأنه لا مستغاث إلا الله تعالى، وعند زوال البلاء يثبت الأضداد والشركاء، فهذا جهل عظيم وضلال كامل.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون﴾ [ العنكبوت : ٦٥ ].
ثم قال تعالى : لآليكفروا بما آتيناهم} وفي هذه اللام وجهان : الأول : أنها لام كي والمعنى أنهم أشركوا بالله غيره في كشف ذلك الضر عنهم.
وغرضهم من ذلك الإشراك أن ينكروا كون ذلك الإنعام من الله تعالى، ألا نرى أن العليل إذا اشتد وجعه تضرع إلى الله تعالى في إزالة ذلك الوجع، فإذا زال أحال زواله على الدواء الفلاني والعلاج الفلاني، وهذا أكثر أحوال الخلق.


الصفحة التالية
Icon