ثم قال تعالى :﴿وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى﴾ قال الفراء والزجاج : موضع " أن " نصب لأن قوله :﴿أن لهم الحسنى﴾ بدل من الكذب، وتقدير الكلام وتصف ألسنتهم أن لهم الحسنى.
وفي تفسير ﴿الحسنى﴾ ههنا قولان : الأول : المراد منه البنون، يعني أنهم قالوا لله البنات ولنا البنون.
والثاني : أنهم مع قولهم بإثبات البنات لله تعالى، يصفون أنفسهم بأنهم فازوا برضوان الله تعالى بسبب هذا القول، وأنهم على الدين الحق والمذهب الحسن.
الثالث : أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة والثواب من الله تعالى.
فإن قيل : كيف يحكمون بذلك وهم كانوا منكرين للقيامة ؟
قلنا : كلهم ما كانوا منكرين للقيامة، فقد قيل : إنه كان في العرب جمع يقرون بالبعث والقيامة، ولذلك فإنهم كانوا يربطون البعير النفيس على قبر الميت ويتركونه إلى أن يموت ويقولون : إن ذلك الميت إذا حشر فإنه يحشر معه مركوبه، وأيضاً فبتقدير أنهم كانوا منكرين للقيامة فلعلهم قالوا : إن كان محمد صادقاً في قوله بالبعث والنشور فإنه يحصل لنا الجنة والثواب بسبب هذا الدين الحق الذي نحن عليه، ومن الناس من قال : الأولى أن يحمل ﴿الحسنى﴾ على هذا الوجه بدليل أنه تعالى قال بعده :﴿لا جرم أن لهم النار﴾ فرد عليهم قولهم وأثبت لهم النار، فدل هذا على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة.
قال الزجاج : لا رد لقولهم، والمعنى ليس الأمر كما وصفوا جرم فعلهم أي كسب ذلك القول لهم النار، فعلى هذا لفظ " أن " في محل النصب بوقوع الكسب عليه.
وقال قطرب ( أن ) في موضع رفع، والمعنى : وجب أن لهم النار وكيف كان الإعراب فالمعنى هو أنه يحق لهم النار ويجب ويثبت.
وقوله :﴿وأنهم مفرطون﴾ قرأ نافع وقتيبة عن الكسائي :﴿مفرطون﴾ بكسر الراء، والباقون :﴿مفرطون﴾ بفتح الراء.


الصفحة التالية
Icon