أما قراءة نافع فقال الفراء : المعنى أنهم كانوا مفرطين على أنفسهم في الذنوب، وقيل : أفرطوا في الافتراء على الله تعالى، وقال أبو علي الفارسي : كأنه من أفرط، أي صار ذا فرط مثل أجرب، أي صار ذا جرب والمعنى : أنهم ذوو فرط إلى النار كأنهم قد أرسلوا من يهيئ لهم مواضع فيها.
وأما قراءة قوله :﴿مفرطون﴾ بفتح الراء ففيه قولان :
القول الأول : المعنى، أنهم متروكون في النار.
قال الكسائي : يقال ما أفرطت من القوم أحداً، أي ما تركت.
وقال الفراء : تقول العرب أفرطت منهم ناساً، أي خلفتهم وأنسيتهم.
والقول الثاني :﴿مفرطون﴾ أي معجلون.
قال الواحدي رحمه الله : وهو الاختيار ووجهه ما قال أبو زيد وغيره : فرط الرجل أصحابه يفرطهم فرطاً وفروطاً إذا تقدمهم إلى الماء ليصلح الدلاء والأرسان، وأفرط القوم الفارط، وفرطوه إذا قدموه فمعنى قوله :﴿مفرطون﴾ على هذا التقدير كأنهم قدموا إلى النار فهم فيها فرط للذين يدخلون بعدهم، ثم بين تعالى أن مثل هذا الصنع الذي يصدر من مشركي قريش قد صدر من سائر الأمم السابقين في حق الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، فقال :﴿تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم﴾ وهذا يجري مجرى التسلية للرسول ﷺ فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم.
قالت المعتزلة : الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجوه : الأول : أنه إذا كان خالق أعمالهم هو الله تعالى، فلا فائدة في التزيين.
والثاني : أن ذلك التزيين لما كان بخلق الله تعالى لم يجز ذم الشيطان بسببه.
والثالث : أن التزيين هو الذى يدعو الإنسان إلى الفعل، وإذا كان حصول الفعل فيه بخلق الله تعالى كان ضرورياً فلم يكن التزيين داعياً.
والرابع : أن على قولهم، الخالق لذلك العمل، أجدر أن يكون ولياً لهم من الداعي إليه.


الصفحة التالية
Icon