وقال الزمخشري : ما يكرهون لأنفسهم من البنات، ومن شركاء في رئاستهم، ومن الاستخفاف برسلهم والتهاون برسالاتهم، ويجعلون له أرذل أموالهم، ولأصنامهم أكرمها، وتصف ألسنتهم مع ذلك أنّ لهم الحسنى عند الله كقوله :﴿ ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ﴾ انتهى.
وقال مجاهد : الحسنى قول قريش لنا البنون، يعني قالوا : لله البنات ولنا البنون.
وقيل : الحسنى الجنة، ويؤيده : لا جرم أن لهم النار، والمعنى على هذا : يجعلون لله المكروه، ويدعون مع ذلك أنهم يدخلون الجنة كما تقول : أنت تعصي الله وتقول مع ذلك : أنك تنجو، أي هذا بعيد مع هذا.
وهذا القول لا يتأتى إلا ممن يقول بالبعث، وكان فيهم من يقول به.
أو على تقدير أنْ كان ما يقول من البعث صحيحاً، وأنّ لهم الحسنى بدل من الكذب، أو على إسقاط الحرف أي : بأن لهم.
وقرأ الحسن ومجاهد باختلاف ألسنتهم : بإسكان التاء، وهي لغة تميم جمع لساناً المذكر نحو : حمار وأحمرة، وفي التأنيث : ألسن كذراع وأذرع.
وقرأ معاذ بن جبل وبعض أهل الشام : الكذب بضم الكاف والذال والباء صفة للألسن، جمع كذوب كصبور وصبر، وهو مقيس، أو جمع كاذب كشارف وشرف ولا ينقاس، وعلى هذه القراءة أنّ لهم مفعول تصف، وتقدم الكلام في لا جرم أن.
وقرأ الحسن وعيسى بن عمران : لهم بكسر الهمزة، وأن جواب قسم أغنت عنه لا جرم.
وقرأ ابن عباس، وابن مسعود وأبو رجاء، وشيبة، ونافع، وأكثر أهل المدينة : مفرطون بكسر الراء من أفرط حقيقة أي : متجاوزون الحد في معاصي الله.
وباقي السبعة، والحسن، والأعرج، وأصحاب ابن عباس، ونافع في رواية، بفتح الراء من أفرطته إلى كذا قدمته، معدى بالهمزة من فرط إلى كذا تقدم إليه.
قال القطامي :
واستعجلونا وكانوا من صحابتنا...
كما تعجل فراط لوراد
ومنه "أنا فرطكم على الحوض" أي متقدمكم.


الصفحة التالية
Icon