فصل
قال الفخر :
﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) ﴾
اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل القاهرة فساد أقوال أهل الشرك والتشبيه، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم وبين فسادها وسخافتها.
فالنوع الأول : من كلماتهم الفاسدة أنهم يجعلون لما لا يعلمون نصيباً وفيه مسالتان :
المسألة الأولى :
الضمير في قوله :﴿لما لا يعلمون﴾ إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان : الأول : أنه عائد إلى المشركين المذكورين في قوله :﴿إذا فريق منكم بربهم يشركون﴾ [ النحل : ٥٤ ] والمعنى أن المشركين لا يعلمون.
والثاني : أنه عائد إلى الأصنام أي لا يعلم الأصنام ما يفعل عبادها قال بعضهم : الأول أولى لوجوه : أحدها : أن نفي العلم عن الحي حقيقة وعن الجماد مجاز.
وثانيها : أن الضمير في قوله :﴿ويجعلون﴾ عائد إلى المشركين فكذلك في قوله :﴿لما لا يعلمون﴾ يجب أن يكون عائد إليهم.
وثالثها : أن قوله :﴿لما لا يعلمون﴾ جمع بالواو والنون.
وهو بالعقلاء أليق منه بالأصنام التي هي جمادات، ومنهم من قال بل القول الثاني أولى لوجوه : الأول : أنا إذا قلنا إنه عائد إلى المشركين افتقرنا إلى إضمار، فإن التقدير : ويجعلون لما لا يعلمون إلهاً، أو لما لا يعلمون كونه نافعاً ضاراً، وإذا قلنا إنه عائد إلى الأصنام، لم نفتقر إلى الإضمار لأن التقدير : ويجعلون لما لا علم لها ولا فهم.
والثاني : أنه لو كان العلم مضافاً إلى المشركين لفسد المعنى، لأن من المحال أن يجعلوا نصيباً من رزقهم لما لا يعلمونه، فهذا ما قيل في ترجيح أحد هذين القولين على الآخر.