الثالث من الأوجهِ الأُوَلِ : أنه معطوفٌ على قولِه ﴿ فِي الأنعام ﴾، فيكونُ في المعنى خبراً عن اسمِ " إنَّ " في قوله :﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً ﴾، التقدير : وإنّ لكم في الأنعام ومن ثمرات النخيل لَعِبْرَةً، ويكونُ قوله " تتخذون " بياناً وتفسيراً للعِبْرة كما وقع " نُسْقِيكم " تفسيراً لها أيضاً.
الرابع : أن يكونَ خبراً لمبتدأ محذوفٍ فقدَّره الطبريُّ :" ومن ثمراتِ النخيل ما تتَّحذون " / قال الشيخ :" وهو لا يجوزُ على مذهبِ البصريين ". قلت : وفيه نظر ؛ لأنَّ له أن يقول : ليسَتْ " ما " هذه موصولةً، بل نكرةٌ موصوفةٌ، وجاز حَذْفُ الموصوفِ والصفةُ جملةٌ، لأن في الكلام " مِنْ "، ومتى كان في الكلام " مِنْ " اطَّرد الحذفُ نحو :" منا ظَعَنَ ومنا أقام " ولهذا نظَّره مكيٌّ بقولِه تعالى :﴿ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ ﴾ [ الصافات : ١٦٤ ]، أي : إلا مَنْ له مقام.
قال : فَحُذِفَتْ " " مَنْ " لدلالةِ " مِنْ " عليها في قوله " وما مِنَّا ". ولما قدَّر الزمخشري الموصوفَ قدَّره : ثَمَرٌ تتخذون، ونظَّره بقول الشاعر :
٢٩٩٦- يَرْمي بكفِّيْ كان مِنْ أَرْمى البشر... تقديرُه : بكفَّيْ رجل، إلاَّ أنَّ الحذفَ في البيت شاذٌّ لعدم " مِنْ " : ولمَّا ذكر أبو البقاء هذا الوجهَ قال :" وقيل : هو صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه : شيئاً تتخذون منه، بالنصب، أي : وإنَّ من ثمراتِ النخيل. وإن شئت " شيء " بالرفعِ بالابتداء، و ﴿ مِن ثَمَرَاتِ ﴾ خبرُه ".
والسَّكَر :- بفتحتين - فيه أقوال، أحدها : أنه من أسماءِ الخمر، كقول الشاعر :

٢٩٩٧- بئس الصُّحاةُ وبئس الشَّرْبُ شَرْبُهُمُ إذا جَرَى فيهم المُزَّاءُ والسَّكَرُ
الثاني : أنه في الأصل مصدرٌ، ثم سُمِّي به الخمرُ. يقال : سَكِر يَسْكَرُ سُكْراً وسَكَراً، نحو : رَشِد يَرْشَدُ رُشْداً ورَشداً.
قال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon