قلنا : لعله عليه السلام علم بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك، فلما لم يظهر نفعه في الحال مع أنه عليه السلام كان عالماً بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك، كان هذا جارياً مجرى الكذب، فلهذا السبب أطلق عليه هذا اللفظ.
ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله :﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ واعلم أن تقرير هذه الآية من وجوه : الأول : اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والمعارف الغامضة مثل بناء البيوت المسدسة وسائر الأحوال التي ذكرناها.
والثاني : اهتداؤها إلى جميع تلك الأجزاء العسلية من أطراف الأشجار والأوراق.
والثالث : خلق الله تعالى الأجزاء النافعة في جو الهواء، ثم إلقاؤها على أطراف الأشجار والأوراق، ثم إلهام النحل إلى جمعها بعد تفريقها وكل ذلك أمور عجيبة دالة على أن إله العالم بنى ترتيبه على رعاية الحكمة والمصلحة، والله أعلم.
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
لما ذكر تعالى بعض عجائب أحوال الحيوانات، ذكر بعده بعض عجائب أحوال الناس، فمنها ما هو مذكور في هذه الآية وهو إشارة إلى مراتب عمر الإنسان، والعقلاء ضبطوها في أربع مراتب : أولها : سن النشو والنماء.
وثانيهما : سن الوقوف وهو سن الشباب.
وثالثها : سن الانحطاط القليل وهو سن الكهولة.
ورابعها : سن الانحطاط الكبير وهو سن الشيخوخة.
فاحتج تعالى بانتقال الحيوان من بعض هذه المراتب إلى بعض، على أن ذلك الناقل هو الله تعالى والأطباء الطبائعيون قالوا : المقتضي لهذا الانتقال هو طبيعة الإنسان، وأنا أحكي كلامهم على الوجه الملخص وأبين ضعفه وفساده، وحينئذ يبقى أن ذلك الناقل هو الله سبحانه، وعند ذلك يصح بالدليل العقلي ما ذكر الله تعالى في هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon