﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ * فجعلناه فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ * إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ﴾ [ المرسلات : ٢٠ ٢٤ ] فقلت : لا شك أن المراد بهؤلاء المكذبين هم الذين نسبوا تكون الأبدان الحيوانية إلى الطبائع وتأثير الحرارة في الرطوبة، وأنا أؤمن من صميم قلبي يا رب العزة بأن هذه التدبيرات ليست من الطبائع بل من خالق العالم الذي هو أحكم الحاكمين وأكرم الأكرمين.
إذا عرفت هذا فقد صح بالدليل العقلي صدق قوله :﴿والله خَلَقَكُمْ﴾ لأنه ثبت أن خالق أبدان الناس وسائر الحيوانات ليس هو الطبائع بل هو الله سبحانه وتعالى، وقوله :﴿ثُمَّ يتوفاكم﴾ قد بينا أن السبب الذي ذكروه في صيرورة الموت فاسد باطل، وأنه يلزم عليه القول بالدور، ولما بطل ذلك ثبت أن الحياة والموت إنما حصلا بتخليق الله، وبتقديره، وقوله :﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر﴾ قد بينا بالدليل أن الطبائع لا يجوز أن تكون علة لانتقال الإنسان من الكمال إلى النقصان ومن القوة إلى الضعف فلزم القطع بأن انتقال الإنسان من الشباب إلى الشيخوخة، ومن الصحة إلى الهرم، ومن العقل الكامل إلى أن صار خَرِفاً غافلاً ليس بمقتضى الطبيعة بل بفعل الفاعل المختار، وإذا ثبت ما ذكرنا ظهر أن الذي دل عليه لفظ القرآن قد ثبت صحته بقاطع القرآن.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ وهذا كالأصل الذي عليه تفريع كل ما ذكرناه، وذلك لأن الطبيعة جاهلة لا تميز بين وقت المصلحة ووقت المفسدة، فهذه الإنفعالات في هذا الإنسان لا يمكن إسنادها إليها.


الصفحة التالية
Icon