أما إله العالم ومدبره وخالقه، فهو الكامل في العلم، الكامل في القدرة، فلأجل كمال علمه يعلم مقادير المصالح والمفاسد، ولأجل كمال قدرته يقدر على تحصيل المصالح ودفع المفاسد، فلا جرم أمكن إسناد تخليق الحيوانات إلى إله العالم، فلا يمكن إسناده إلى الطبائع، والله أعلم.
المسألة الثانية :
في تفسير ألفاظ الآية قال المفسرون : والله خلقكم ولم تكونوا شيئاً ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر، وهو أردؤه وأضعفه.
يقال : رذل الشيء يرذل رذالة وأرذلة غيره، ومنه قوله :﴿إِلاَّ الذين هُمْ ارذالنا﴾ [ هود : ٢٧ ] ومنه قوله ﴿واتبعك الأرذلون﴾ [ الشعراء : ١١١ ] وقوله :﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر﴾ هل يتناول المسلم أو هو مختص بالكافر ؟ فيه قولان :
القول الأول : أنه يتناوله، قيل : إنه العمر الطويل، وعلى هذا الوجه نقل عن علي عليه السلام أنه قال : أرذل العمر خمس وسبعون سنة.
وقال قتادة : تسعون سنة.
وقال السدي : إنه الخرف.
والقول الأول أولى ؛ لأن الخرف معناه زوال العقل، فقوله :﴿وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ يدل على أنه تعالى إنما رده إلى أرذل العمر لأجل أن يزيل عقله، فلو كان المراد من أرذل العمر هو زوال العقل لصار الشيء عين الغاية المطلوبة منه وأنه باطل.
والقول الثاني : أن هذا ليس في المسلمين والمسلم لا يزداد بسبب طول العمر إلا كرامة على الله تعالى ولا يجوز أن يقال في حقه إنه يرد إلى أرذل العمر، والدليل عليه قوله تعالى :﴿ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ [ التين : ٥، ٦ ] فبين تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ما ردوا إلى أسفل سافلين.
وقال عكرمة : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر.