وَأْتُونِي بِزَيْتٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :﴿ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ فَجَاءُوهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَخَلَطَهُ جَمِيعًا ثُمَّ شَرِبَهُ فَبَرِئَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ : إنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ :" فِيهِ " يَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ، أَيْ الْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ.
وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ، مَا أَرَاهُ يَصِحُّ عَنْهُمْ ؛ وَلَوْ صَحَّ نَقْلًا لَمْ يَصِحَّ عَقْلًا ؛ فَإِنَّ مَسَاقَ الْكَلَامِ كُلِّهِ لِلْعَسَلِ، لَيْسَ لِلْقُرْآنِ فِيهِ ذِكْرٌ ؛ وَكَيْفَ يَرْجِعُ ضَمِيرٌ فِي كَلَامٍ
إلَى مَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ كُلَّهُ مِنْهُ ؟ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى مَسَاقُ الْكَلَامِ وَمَنْحَى الْقَوْلِ، وَقَدْ حَسَمَ النَّبِيُّ فِي ذَلِكَ ذَا الْإِشْكَالِ، وَأَزَاحَ وَجْهَ الِاحْتِمَالِ حِينَ أَمَرَ الَّذِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الْعَسَلَ لَمَّا سَقَاهُ إيَّاهُ مَا زَادَهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَوْدِ الشُّرْبِ لَهُ، وَقَالَ لَهُ :﴿ صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ : اُخْتُلِفَ فِي مَحْمَلِهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ، كَمَا سُقْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَعَوْفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ بِالتَّدْبِيرِ ؛ إذْ يُخْلَطُ الْخَلُّ بِالْعَسَلِ وَيَطْبُخُ، فَيَأْتِي شَرَابًا يَنْفَعُ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ كُلِّ دَاءٍ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ عَلَى مَدْحِ عُمُومِ مَنْفَعَةِ السَّكَنْجَبِينِ فِي كُلِّ مَرَضٍ.


الصفحة التالية
Icon