وقال القرطبى :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى قوله تعالى :﴿ وأوحى رَبُّكَ إلى النحل ﴾ قد مضى القول في الوَحْي وأنه قد يكون بمعنى الإلهام، وهو ما يخلقه الله تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر، وهو من قوله تعالى :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَافَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٧-٨ ].
ومن ذلك البهائم وما يخلق الله سبحانه فيها من درك منافعها واجتناب مضارها وتدبير معاشها.
وقد أخبر عز وجل بذلك عن الموات فقال :﴿ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ ﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا ﴾.
قال إبراهيم الحَرْبيّ : لله عز وجل في الموت قدرة لم يُدْرَ ما هي، لم يأتها رسول من عند الله ولكن الله تعالى عرّفها ذلك ؛ أي ألهمها.
ولا خلاف بين المتأولين أن الوحي هنا بمعنى الإلهام.
وقرأ يحيى بن وَثّاب "إلى النَّحَلِ" بفتح الحاء.
وسُمِّيَ نحلاً لأن الله عز وجل نحله العسل الذي يخرج منه ؛ قاله الزجاج.
الجوهريّ : والنحل والنحلة الدّبْر يقع على الذكر والأنثى، حتى يقال : يَعْسُوب.
والنحل يؤنث في لغة أهل الحجاز، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء.
وروي من حديث أبي هريرة عن النبيّ ﷺ أنه قال :
" الذِّبان كلّها في النار يجعلها عذاباً لأهل النار إلا النحل " ذكره الترمذيّ الحكيم في ( نوادر الأصول ).
وروي عن ابن عباس قال : نهى رسول الله ﷺ عن قتل النملة والنحلة والهُدْهُد والصُّرَد، خرّجه أبو داود أيضاً، وسيأتي في "النمل" إن شاء الله تعالى.
الثانية قوله تعالى :﴿ أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر ﴾ هذا إذا لم يكن لها مليك.


الصفحة التالية
Icon