وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل ؛ وورد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تحقيره للدنيا : أشرف لباس ابن آدم فيها لعابُ دودة، وأشرب شرابه رَجِيعُ نحلة.
فظاهر هذا أنه من غير الفم.
وبالجملة فإنه يخرج ولا يدرى من فيها أو أسفلها، ولكن لا يتم صلاحه إلا بحَمْى أنفاسها.
وقد صنع أرسطاطاليس بيتاً من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع، فأبت أن تعمل حتى لطخت باطن الزجاج بالطين ؛ ذكره الغزنويّ.
وقال :"مِن بطونِها" لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن.
الثانية قوله تعالى :﴿ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ يريد أنواعه من الأحمر والأبيض والأصفر والجامد والسائل، والأم واحدة والأولاد مختلفون دليل على أن القدرة نوّعته بحسب تنويع الغذاء، كما يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي ؛ ومن هذا المعنى قول زينب للنبيّ ﷺ :"جَرَسَتْ نحلُه العُرْفُطَ" حين شبهت رائحته برائحة المغافير.
الثالثة قوله تعالى :﴿ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ ﴾ الضمير للعسل ؛ قاله الجمهور.
أي في العسل شفاء للناس.
وروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك والفراء وابن كَيْسان : الضمير للقرآن ؛ أي في القرآن شفاء.
النحاس : وهذا قول حسن ؛ أو فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس.
وقيل : العسل فيه شفاء، وهذا القول بيّن أيضاً ؛ لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل.
قال القاضي أبو بكر بن العربيّ : من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصحّ عنهم، ولو صح نقلاً لم يصح عقلاً ؛ فإن مساق الكلام كلّه للعسل، ليس للقرآن فيه ذكر.