قال ابن عطية : وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية يراد بها أهل البيت وبنو هاشم، وأنهم النحل، وأن الشراب القرآن والحكمة، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر العباسيّ، فقال له رجل ممن حضر : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم، فأضحك الحاضرين وبُهِت الآخر وظهرت سخافة قوله.
الرابعة اختلف العلماء في قوله تعالى :﴿ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ ﴾ هل هو على عمومه أم لا ؛ فقالت طائفة : هو على العموم في كل حال ولكل أحد، فروي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئاً إلا جعل عليه عسلاً، حتى الدُّمَّل إذا خرج عليه طَلى عليه عسلاً.
وحكى النقاش عن أبي وَجْرة أنه كان يكتحل بالعسل ويستمشي بالعسل ويتداوى بالعسل.
وروي أن عوف بن مالك الأشجعي مرض فقيل له : ألا نعالجك؟ فقال : ائتوني بالماء، فإن الله تعالى يقول :﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً مُّبَارَكاً ﴾ ثم قال : ائتوني بعسل، فإن الله تعالى يقول :﴿ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ ﴾ وائتوني بزيت، فإن الله تعالى يقول :﴿ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ فجاءوه بذلك كله فخلطه جميعاً ثم شربه فبرىء.
ومنهم من قال : إنه على العموم إذا خلط بالخل ويطبخ فيأتي شراباً ينتفع به في كل حالة من كل داء.
وقالت طائفة : إن ذلك على الخصوص ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان، بل إنه خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض وعلى حال دون حال ؛ ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء لمّا كثر الشفاء به وصار خليطاً ومُعيناً للأدوية في الأشربة والمعاجين ؛ وليس هذا بأول لفظ خُصّص فالقرآن مملوء منه ولغة العرب يأتي فيها العام كثيراً بمعنى الخاص والخاص بمعنى العام.
ومما يدل على أنه ليس على العموم أن "شفاء" نكرة في سياق الإثبات، ولا عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحقّقي أهل العلم ومختلفي أهل الأصول.