نعم لتلك المشابهة يطلق عليه اسم العسل فإن ترنجبين فارسي معناه عسل رطب لا طل النداء كما زعم وإن قالوا : هو في الحقيقة طل يسقط على العاقول بفارس ويجمع كالمن، ويجلب من التكرور شيء يسمى بلسانهم طنبيط أشبه الأشياء به في الصورة والفعل لكن أغلظ، والأمر في مشاهدة تغذيها بالعسل سهل فإنه ليس دائمياً، وينقل عن بعض الطيور التي تكمن شتاء التغذي بالرجيع.
ويؤيد المشهور ما روى عن الأمير علي كرم الله تعالى وجهه في تحقير الدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة وأشرف شرابه رجيع نحل، وجاء عنه كرم الله تعالى وجهه أيضاً أما العسل فونيم ذباب، وحمله على التمثيل خلاف الظاهر وعلى ذلك نظمت الأشعار فقال المعري :
والنحل يجني المر من زهر الربا...
فيعود شهداً في طريق رضا به
وقال الحريري :
تقول هذا محاج النحل تمدحه...
وإن ترد ذمه قيء الزنابير
وأخبرني من أثق به أنه شاهد كثيراً حملها لأوراق الأزهار بفمها إلى بيوتها وهو ما يستأنس به للآكل، وسيأتي إن شاء الله تعالى أيضاً ما يؤيده، ﴿ فاسلكى سُبُلَ رَبّكِ ﴾ أي طرقه سبحانه راجعة إلى بيوتك بعد الأكل، فالمراد بالسبل مسالكها في العود، ويحكى أنها ربما أجدب عليها ما حولها فانتجعت الأماكن البعيدة للمرعى ثم تعود إلى بيوتها لا تضل عنها، وفي إضافة السبل إلى الرب المضاف إلى ضميرها إشارة إلى أنه سبحانه هو المهيىء لذلك والميسر له والقائم بمصالحها ومعايشها، وقيل : المراد من السبل طرق الذهاب إلى مظان ما تأكل منه، وحينئذ فمعنى ﴿ كُلِى ﴾ اقصدي الأكل، وقيل : السبل مجاز عن طرق العمل وأنواعها أي فاسلكي الطرق التي ألهمك ربك في عمل العسل، وقيل : مجاز عن طرق إحالة الغذاء عسلاً، و﴿ اسلكي ﴾ متعد من سلكت الخيط في الإبرة سلكاً لا لازم من سلك في الطريق سلوكاً، ومفعوله محذوف أي فاسلكي ما أكلت في مسالكه التي يستحيل فيها بقدرته النور المر عسلاً من أجوافك.