واعلم أن حاصل هذا الكلام أن الذكورة علتها الحرارة واليبوسة، والأنوثة علتها البرودة والرطوبة، وهذه العلة في غاية الضعف، فقد رأينا في النساء من كان مزاجه في غاية السخونة وفي الرجال من كان مزاجه في غاية البرودة، ولو كان الموجب للذكورة والأنوثة ذلك لامتنع ذلك، فثبت أن خالق الذكر والأنثى هو الإله القديم الحكيم وظهر بالدليل الذي ذكرناه صحة قوله تعالى :﴿والله جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾.
ثم قال تعالى :﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أزواجكم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ قال الواحدي : أصل الحفدة من الحفد وهو الخفة في الخدمة والعمل.
يقال : حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفداناً إذا أسرع، ومنه في دعاء القنوت وإليك نسعى ونحفد، والحفدة جمع الحافد، والحافد كل من يخف في خدمتك ويسرع في العمل بطاعتك، يقال في جمعه الحفد بغير هاء كما يقال الرصد، فمعنى الحفدة في اللغة الأعوان والخدام، ثم يجب أن يكون المراد من الحفدة في هذه الآية الأعوان الذين حصلوا للرجل من قبل المرأة، لأنه تعالى قال :﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أزواجكم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ فالأعوان الذين لا يكونون من قبل المرأة لا يدخلون تحت هذه الآية.
إذا عرفت هذا فنقول : قيل هم الأختان، وقيل : هم الأصهار، وقيل : ولد الولد، والأولى دخول الكل فيه، لما بينا أن اللفظ محتمل للكل بحسب المعنى المشترك الذي ذكرناه.