قوله تعالى ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)﴾
فصل
قال البقاعى :
﴿قالوا﴾ متبرئين من العلم ﴿سبحانك﴾ أي ننزهك تنزيهاً يجل عن الوصف عن أن ننسب إليك نقصاً في علم أو صنع، ونتبرأ إليك مما يلزم قولنا من ادعاء العلم لسواك.
قال الحرالي : وفي هذا المعنى إظهار لفضلهم وانقيادهم وإذعانهم توطئة لما يتصل به من إباء أبليس - انتهى.
والحاصل أنه تصريح بتنزيه الله تعالى عن النقص وتلويح بنسبته إليهم اعتذاراً منهم عما وقعوا فيه، ولذا قالوا :﴿لا علم لنا﴾ أي أصلاً ﴿إلا ما علمتنا﴾ فهو دليل على أنه لا سبيل إلى علم شيء من الأشياء إلا بتعليم الله.
قال الحرالي : رداً لبدء الأمر لمن له البدء، ولذلك ورد في أثارة من علم : من لم يختم علمه بالجهل لم يعلم، وذلك الجهل هو البراءة من العلم إلا ما علم الله - انتهى.
ثم خصوه بما نفوه عن أنفسهم فقالوا :﴿إنك أنت﴾ أي وحدك ﴿العليم﴾ أي العالم بكل المعلومات ﴿الحكيم﴾ أي فلا يتطرق إلى صنعك فساد بوجه فلا اعتراض أصلاً.
قال الحرالي : توكيد وتخليص وإخلاص للعلم والحكمة لله وحده، وذلك من أرفع الإسلام، لأنه إسلام القلوب ما حلاها الحق سبحانه به! فإن العلم والحكمة نور القلوب الذي تحيا به كما أن الماء رزق الأبدان الذي تحيا به! فإن العلم والحكمة نور القلوب الذي تحيا به كما أن الماء رزق الأبدان الذي تحيا به ؛ والحكمة جعل تسبيب بين أمرين يبدو بينهما تقاض من السابق واستناد من اللاحق - انتهى.
وأصلها في اللغة المنع من الفساد ولا يكون ذلك إلا عن تمام العلم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٩٠ ـ ٩١﴾
فائدة
قال الفخر :
اعلم أن الذين اعتقدوا أن الملائكة أتوا بالمعصية في قولهم :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ قالوا : إنهم لما عرفوا خطأهم في هذا السؤال رجعوا وتابوا واعتذروا عن خطئهم بقولهم :﴿سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ والذين أنكروا معصيتهم ذكروا في ذلك وجهين : الأول : أنهم إنما قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم بأنهم لا يعلمون ما سئلوا عنه وذلك لأنهم قالوا إنا لا نعلم إلا ما علمتنا فإذا لم تعلمنا ذلك فكيف نعلمه، الثاني : أن الملائكة إنما قالوا :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ لأن الله تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا إنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء فقلنا لك أتجعل فيها من يفسد فيها وأما هذه الأسماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢ صـ ١٩٢﴾
فصل
قال الفخر :