وقال الآلوسى :
﴿إِنَّكَ أَنتَ العليم الحكيم﴾ تذييل يؤكد مضمون الجملة السابقة، ولما نفوا العلم عن أنفسهم أثبتوه لله تعالى على أكمل أوصافه وأردفوه بالوصف بالحكمة لما تبين لهم ما تبين وأصل الحكمة المنع ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها عن الاعوجاج، وتقال للعلم لأنه يمنع عن ارتكاب الباطل، ولإتقان الفعل لمنعه عن طرق الفساد والاعتراض وهو المراد ههنا لئلا يلزم التكرار، فمعنى الحكيم ذو الحكمة، وقيل : المحكم لمبدعاته، قال في " البحر" : وهو على الأول صفة ذات، وعلى الثاني صفة فعل، والمشهور أنه إن أريد به العليم كان من صفات الذات أو الفاعل لما لا اعتراض عليه كان من صفات الفعل فافهم.
وقدم سبحانه الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة لمناسبة ما تقدم من ﴿أنبؤني﴾ [ البقرة : ٣١ ] و ﴿سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا﴾ ولأن الحكمة لا تبعد عن العلم وليكون آخر مقالتهم مخالفاً لما يتوهم من أولها، و ﴿أَنتَ﴾ يحتمل أن يكون فصلاً لا محل له على المشهور يفيد تأكيد الحكم، والقصر المستفاد من تعريف المسند، وقيل : هو تأكيد لتقرير المسند إليه، ويسوغ في التابع ما لا يسوغ في المتبوع، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده، والحكيم إما خبر بعد خبر أو نعت له وحذف متعلقهما لإفادة العموم، وقد خصهما بعض فقال : العليم بما أمرت ونهيت الحكيم فيما قضيت وقدرت والعموم أولى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١ صـ ٢٢٧﴾
وقال ابن عاشور :
( والعليم ) الكثير العلم وهو من أمثلة المبالغة على الصحيح ويجوز كونه صفة مشبهة على تقدير تحويل علِم المكسور اللام إلى علُم بضم اللام ليصير من أفعال السجايا نحو ما قررناه في الرحيم ونحن في غنية عن هذا التكلف إذ لا ينبغي أن يبقى اختلاف في أن وزن فعيل يجيء لمعنى المبالغة وإنما أنشأ هذه التمحلات من زعموا أن فعيلاً لا يجيء للمبالغة.
( الحكيم ) فعيل من أَحكم إذا أتقن الصنع بأن حاطه من الخلل.