وأصل مادة حكم في كلام العرب للمنع من الفساد والخلل ومنه حكمة الدابة ( بالتحريك ) للحديدة التي توضع في فم الفرس لتمنعه من اختلال السير، وأحكم فلان فلاناً منعه قال جرير :
أبني حنيفة أحكموا سُفهَاءكم...
إني أَخافُ عليكم أن أَغْضَبا
والحكمة بكسر الحاء ضبط العلم وكماله، فالحكيم إما بمعنى المتقن للأمور كلها أو بمعنى ذي الحكمة وأيّاً ما كان فقد جرى بوزن فعيل على غير فعل ثلاثي وذلك مسموع قال عمرو بن معديكرب :
أمن رَيحانة الدَّاعي السَّميع...
يؤرقُني وأصحابي هجوع
ومن شواهد النحو ما أنشده أبو علي ولم يعزه :
فمن يك لم يُنجِب أبوه وأمه...
فإن لنا الأمَّ النجيبةَ والأبُ
أراد الأم المنجبة بدليل قوله لم ينجب أبوه وفي القرآن ﴿بديع السماوات والأرض﴾ [ البقرة : ١١٧ ] ووَصف الحكيم والعرب تجري أوزان بعض المشتقات على بعض فلا حاجة إلى التكلف بتأول ﴿بديع السماوات والأرض﴾ ببديع سماواته وأرضه أي على أن ( أل ) عوض عن المضاف إليه فتكون الموصوف بحكيم هو السماوات والأرض وهي محكمة الخلق فإن مساق الآية تمجيد الخالق لا عجائب مخلوقاته حتى يكون بمعنى مفعول، ولا إلى تأويل الحكيم بمعنى ذي الحكمة لأن ذلك لا يجدي في دفع بحث مجيئه من غير ثلاثي.
وتعقيب العليم بالحكيم من إتباع الوصف بأخص منه فإن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم لأن الحكمة كمال في العلم فهو كقولهم خطيب مصقع وشاعر مفلق.
وفي " معارج النور" للشيخ لطف الله الأرضرومي : وفي الحكيم ذو الحكمة وهي العلم بالشيء وإتقان عمله وهو الإيجاد بالنسبة إليه والتدبير بأكمل ما تستعد له ذات المدبر ( بفتح الباء ) والاطلاع على حقائق الأمور ا ه.