ووقع نظرهم على طاعة إبليس فاستعظموه، أما علام الغيوب فإنه كان عالماً بأنهم وإن أتوا بالفساد والقتل لكنهم سيأتون بعده بقولهم :﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] وأن إبليس وإن أتى بالطاعات لكنه سيأتي بعدها بقوله :﴿أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ﴾، ومن شأن العقل أن لا يعتمد على ما يراه وأن يكون أبداً في الخوف والوجل، فقوله تعالى :﴿إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات﴾ معناه أن الذي أعرف الظاهر والباطن والواقع والمتوقع واعلم أنه ما ترونه عابداً مطيعاً سيكفر ويبعد عن حضرتي، ومن ترونه فاسقاً بعيداً سيقرب من خدمتي، فالخلق لا يمكنهم أن يخرجوا عن حجاب الجهل ولا يتيسر لهم أن يخرقوا أستار العجز فإنهم لا يحيطون بشيء من علمه.
ثم إنه سبحانه حقق من علم الغيب وعجز الملائكة أن أظهر من البشر كمال العبودية ومن أشد ساكني السموات عبادة كمال الكفر لئلا يغتر أحد بعمله ويفوضوا معرفة الأشياء إلى حكمة الخالق ويزيلوا الاعتراض بالقلب واللسان عن مصنوعاته ومبدعاته. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢ صـ ١٩٣ ـ ١٩٤﴾

فصل


قال القرطبى :
الواجب على مَن سُئل عن علم أن يقول إن لم يعلم : الله أعلم ولا أدري، اقتداء بالملائكة والأنبياء والفضلاء من العلماء، لكن قد أخبر الصادق أنّ بموت العلماء يقبض العلم ؛ فيبقى ناس جُهّال يُستفتَوْن فيُفتون برأيهم فَيضِلّون ويُضلّون.
وأما ما ورد من الأخبار عن النبيّ ﷺ وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الآية فروَى البُسْتِيّ في المسند الصحيح له عن ابن عمر " أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ : أيّ البقاع شرّ ؟ قال :" لا أدري حتى أسأل جبريل" فسأل جبريل ؛ فقال : لا أدري حتى أسأل ميكائيل ؛ فجاء فقال :" خير البقاع المساجد، وشرّها الأسواق" " وقال الصّديق للجَدّة : ارجعي حتى أسأل الناس.
وكان عليّ يقول : وأَبردها على الكبد ؛ ثلاث مرات.


الصفحة التالية
Icon