قالوا وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن يُسْأَل الرجلُ عما لا يعلم فيقول : الله أعلم.
وسأل ابن عمر رجلٌ عن مسألة فقال : لا علم لي بها ؛ فلما أدبر الرجل.
قال ابن عمر : نِعم ما قال ابن عمر، سُئل عما لا يعلم فقال لا علم لي به! ذكره الدّارمِيّ في مسنده.
وفي صحيح مسلم عن أبي عَقيل يحيى بن المتوكل صاحب بُهَيّة قال : كنت جالساً عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم : يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيمٌ أن يُسأل عن شيء من أمر هذا الدّين فلا يوجد عندك منه عِلْمٌ ولا فَرَج، أو عِلْمٌ ولا مَخْرَج ؟ فقال له القاسم : وعَمّ ذاك ؟ قال : لأنك ابن إمامَيْ هُدًى : ابن أبي بكر وعمر.
قال يقول له القاسم : أقْبَحُ من ذاك عند مَن عَقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة.
فسكت فما أجابه.
وقال مالك بن أنس : سمعت ابن هُرْمُز يقول : ينبغي للعالم أن يُوَرّث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون أصلاً في أيديهم ؛ فإذا سُئل أحدهم عما لا يدري قال : لا أدري.
وذكر الهَيْثَم بن جميل قال : شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري.
قلت : ومثلُه كثيرٌ عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، وإنما يحمل على ترك ذلك الرياسةُ وعدم الإنصاف في العلم.
قال ابن عبد البَرّ : مِن بركة العلم وآدابه الإنصافُ فيه، ومن لم يُنصف لم يفهم ولم يتفهّم.
روى يونس بن عبد الأعلى قال سمعت ابن وَهَبْ يقول سمعت مالك ابن أنس يقول : ما في زماننا شيء أقلّ من الإنصاف.
قلت : هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عمّ فينا الفساد وكثر فيه الطَّغام! وطُلب فيه العلم للرياسة لا للدّراية، بل للظهور في الدنيا وغلبة الأقران بالمِراء والجدال الذي يُقْسِي القلب ويُورث الضِّغن ؛ وذلك مما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon