والآية تقتضي مزية عظمى لهذا النوع في هذا الباب وفي فضل العلم ولكنها لا تدل على أفضلية النوع البشري على الملائكة إذ المزية لا تقتضي الأفضلية كما بينه الشهاب القراقي في الفرق الحادي والتسعين فهذه فضيلة من ناحية واحدة وإنما يعتمد التفضيل المطلق مجموعَ الفضائل كما دل عليه حديث موسى والخضر.
والاستفهام في قوله :﴿ألم أقل لكم﴾ إلخ تقريري لأن ذلك القول واقع لا محالة والملائكة لا يعلمون وقوعه ولا ينكرونه.
وإنما أوقع الاستفهام على نفي القول لأن غالب الاستفهام التقريري يقحم فيه ما يفيد النفي لقصد التوسيع على المقرَّر حتى يُخيَّل إليه أنه يُسأل عن نفي وقوع الشيء فإن أراد أن يزعم نفيه فقد وسَّع المقرِّر عليه ذلك ولكنه يتحقق أنه لا يستطيع إنكاره فلذلك يقرره على نفيه، فإذا أقر كان إقراره لازماً له لا مناص له منه.
فهذا قانون الاستفهام التقريري الغالب عليه وهو الذي تكرر في القرآن وبنى عليه صاحب " الكشاف" معاني آياته التي منها قوله تعالى :﴿ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير﴾ [ البقرة : ١٠٦ ] وتوقف فيه ابن هشام في " مغني اللبيب" ورده عليه شارحه.
وقد يقع التقرير بالإثبات على الأصل نحو :﴿أأنت قلتَ للناس﴾ [ المائدة : ١١٦ ] وهو تقرير مُراد به إبطال دعوى النصارى، وقوله :﴿قالوا أأنت فعلتَ هذا بآلهتنا يا إبراهيم﴾ [ الأنبياء : ٦٢ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٤٠٢ ـ ٤٠٦﴾