الثاني : أن الله عرفهم الدليل على صدقه، ولم لا يكون من باب الكرامات أو من باب الإرهاص ؟ واحتج من قال : لم يكن نبياً، بوجوه : أحدها : صدور المعصية عنه بعد، وذلك غير جائز على النبي.
وثانيها : أنه لو كان مبعوثاً لكان إلى أحد، لأن المقصود منه التبليغ، وذلك لا يكون الملائكة، لأنهم أفضل، ولا حوّاء، لأنها مخاطبة بلا واسطة بقوله :﴿ولا تقربا﴾، ولا الجن، لأنهم لم يكونوا في السماء.
وثالثها : قوله :﴿ثم اجتباه﴾، وهذا يدل على أن الاجتباء كان بعد الزلة، والنبي لا بد أن يكون مجتبى وقت كونه نبياً.
﴿قال ألم أقل لكم﴾ ؛ جواب فلما، وقد تقدّم ذكر الخلاف في لما المقتضية للجواب، أهي حرف أم ظرف ؟ ورجحنا الأول وذكرنا أنه مذهب سيبويه.
وألم : أقل تقرير، لأن الهمزة إذا دخلت على النفي كان الكلام في كثير من المواضع تقريراً نحو قوله تعالى :﴿ألست بربكم﴾ ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ ﴿ألم نربِّك فينا وليداً﴾ ولذلك جاز العطف على جملة إثباتية نحو : ووضعنا، ولبثت، ولكم فيه، تنبيههم بالخطاب وهزهم لسماع المقول، نحو قوله :﴿ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً﴾ نبهه في الثانية بالخطاب.
وقد تقدم أن اللام في نحو : قلت لك، أو لزيد، للتبليغ، وهو أحد المعاني التي ذكرناها فيها.
﴿إني أعلم﴾ : ياء المتكلم المتحرك ما قبلها، إذا لقيت همزة القطع المفتوحة، جاز فيها وجهان : التحريك والإسكان، وقرىء بالوجهين في السبعة، على اختلاف بينهم في بعض ذلك، وتفصيل ذلك مذكور في كتب القراءات.
وسكنوا في السبعة إجماعاً تفتني ألا، ﴿أرني أنظر﴾ ﴿فاتبعني أهدك﴾ ﴿وترحمني أكن﴾ ولا يظهر بشيء من اختلافهم واتفاقهم علة إلا اتباع الرواية.
والخلاف الذي تقدم في أعلم من كونه منصوباً أو مجروراً جاز هنا، وقد تقدم إيضاحه هناك فلا نعيده هنا.


الصفحة التالية
Icon