فيكون من خطاب الجمع، ويراد به الواحد نحو :﴿إنّ الذين ينادونك﴾ وروي أن إبليس مرّ على جسد آدم بين مكة والطائف قبل أن ينفخ فيه الروح فقال : لأمر مّا خلق هذا، ثم دخل من فيه وخرج من دبره وقال : إنه خلق لا يتمالك لأنه أجوف، ثم قال للملائكة الذين معه : أرأيتم إن فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ما تصنعون ؟ قالوا : نطيع الله، فقال إبليس في نفسه : والله لئن سلّطت عليه لأهلكنه، ولئن سلّط علي لأعصينه، فهذا قوله تعالى :﴿وأعلم ما تبدون﴾ الآية، يعني : من قول الملائكة وكتم إبليس.
وقال الحسن وقتادة : ما أبدوه هو قولهم :﴿أتجعل فيها﴾، وما كتموه قولهم : لن يخلق الله أكرم عليه منا، وقيل : ما أبدوه قولهم :﴿أتجعل فيها﴾ وما كتموه أضمروه من الطاعة لله والسجود لآدم.
وقيل : ما أبدوه هو الإقرار بالعجز، وما كتموه الكراهية لاستخلاف آدم عليه السلام.
وقيل : هو عام فيما أبدوه وما كتموه من كل أمورهم، وهذا هو الظاهر.
وأبرز الفعل في قوله :﴿وأعلم﴾ ليكون متعلقه جملة مقصودة بالعامل، فلا يكون معمولها مندرجاً تحت الجملة الأولى، وهو يدل على الاهتمام بالإخبار، إذ جعل مفرداً بعامل غير العامل، وعطف قوله ﴿وما كنتم تكتمون﴾ هو من باب الترقي في الإخبار، لأن علم الله تعالى واحد لا تفاوت فيه بالنسبة إلى شيء من معلوماته، جهراً كان أو سراً، ووصل ما بكنتم يدل على أن الكتم وقع فيما مضى، وليس المعنى أنهم كتموا عن الله لأن الملائكة أعرف بالله وأعلم، فلا يكتمون الله شيئاً، وإنما المعنى أنه هجس في أنفسهم شيء لم يظهره بعضهم لبعض، ولا أطلعه عليه، وإن كان المعنى إبليس، فقد تقدم أنه قال في نفسه : ما حكيناه قيل عنه، فكتم ذلك عن الملائكة.
وقد تضمن آخر هذه الآية من علم البديع الطباق وهو قوله :﴿ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ١ صـ ٢٩٨ ـ ٣٠٠﴾


الصفحة التالية
Icon