وَأَمَّا الْفَائِدَةُ فَمَا وَرَاءَ الْبَحْثِ فِي حَقِيقَةِ الْمَلَائِكَةِ وَكَيْفِيَّةِ الْخِطَابِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ - تَعَالَى - فَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ :
(أَحَدِهَا) أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - فِي عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ يَرْضَى لِعَبِيدِهِ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ حِكْمَتِهِ فِي صُنْعِهِ، وَمَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْرَارٍ فِي خَلْقِهِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَيْرَةِ،
وَالسُّؤَالُ يَكُونُ بِالْمَقَالِ وَيَكُونُ بِالْحَالِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - فِي اسْتِفَاضَةِ الْعِلْمِ بِالْمَطْلُوبِ مِنْ يَنَابِيعِهِ الَّتِي جَرَتْ سُنَنُهُ - تَعَالَى - بِأَنْ
يُفِيضَ مِنْهَا (كَالْبَحْثِ الْعَمَلِيِّ وَالِاسْتِدْلَالِ الْعَقْلِيِّ وَالْإِلْهَامِ الْإِلَهِيِّ) وَرُبَّمَا كَانَ لِلْمَلَائِكَةِ طَرِيقٌ آخَرُ لِاسْتِفَاضَةِ الْعِلْمِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ فَيُمْكِنُنَا أَنْ نَحْمِلَ سُؤَالَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى ذَلِكَ.
(ثَانِيهِمَا) إِذَا كَانَ مِنْ أَسْرَارِ اللهِ - تَعَالَى - وَحِكَمِهِ مَا يَخْفَى عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَنَحْنُ أَوْلَى بِأَنْ يَخْفَى عَلَيْنَا، فَلَا مَطْمَعَ لِلْإِنْسَانِ فِي مَعْرِفَةِ جَمِيعِ أَسْرَارِ الْخَلِيقَةِ وَحِكَمِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.
(ثَالِثِهَا) أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - هَدَى الْمَلَائِكَةَ فِي حَيْرَتِهِمْ، وَأَجَابَهُمْ عَنْ سُؤَالِهِمْ لِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْإِرْشَادِ إِلَى الْخُضُوعِ وَالتَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُونَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.