ثُمَّ إِنَّ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي (الْخَلِيفَةِ) مَذْهَبَيْنِ : ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَرْضِ صِنْفٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نَوْعِ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَأَنَّهُ انْقَرَضَ، وَأَنَّ هَذَا الصِّنْفَ الَّذِي أَخْبَرَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ بِأَنْ سَيَجْعَلَهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ سَيَحُلُّ مَحَلَّهُ وَيَخْلُفُهُ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - بَعْدَ ذِكْرِ إِهْلَاكِ الْقُرُونِ :(ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ
مِنْ بَعْدِهِمْ) (١٠ : ١٤) وَقَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ الصِّنْفَ الْبَائِدَ قَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ وَسَفَكَ الدِّمَاءَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ اسْتَنْبَطُوا سُؤَالَهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا بُدَّ أَنْ يُنَاسِبَ مَنْ يَخْلُفُهُ وَيَكُونَ مِنْ قَبِيلِهِ كَمَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى الْخِلَافَةِ، أَجَابَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُونَ مِمَّا يَمْتَازُ بِهِ هَذَا الْخَلِيفَةُ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ، وَمَالَهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ) : وَإِذَا صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ فَلَيْسَ آدَمُ أَوَّلَ الصِّنْفِ الْعَاقِلِ مِنَ الْحَيَوَانِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَوَّلَ طَائِفَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ تُمَاثِلُ الطَّائِفَةَ أَوِ الطَّوَائِفِ الْبَائِدَةِ مِنْهُ فِي الذَّاتِ وَالْمَادَّةِ، وَتُخَالِفُهَا فِي بَعْضِ الْأَخْلَاقِ وَالسَّجَايَا.


الصفحة التالية
Icon