وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض ﴾
تقدّم معناه.
وهذا متصل بقوله ﴿ إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ أي شرعُ التحليل والتحريم إنما يحسن ممن يحيط بالعواقب والمصالح وأنتم أيها المشركون لا تحيطون بها فلِمَ تتحكمون.
﴿ وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر ﴾ وتجازَوْن فيها بأعمالكم.
والساعة هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة ؛ سُميّت ساعةً لأنها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخلق بصيحة.
والَّلْمح : النظر بسرعة ؛ يقال : لَمَحه لَمْحاً وَلَمحانا.
ووجه التأويل أن الساعة لما كانت آتية ولا بُدّ جُعلت من القرب كلمح البصر.
وقال الزجاج : لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها ؛ أي يقول للشيء كن فيكون.
وقيل : إنما مَثّل بلمح البصر لأنه يلمح السماء مع ما هي عليه من البعد من الأرض.
وقيل : هو تمثيل للقرب ؛ كما يقول القائل : ما السَّنة إلا لحظة، وشبهه.
وقيل : المعنى هو عند الله كذلك لا عند المخلوقين ؛ دليله قولُه :﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداًوَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾ [ المعارج : ٦ ].
﴿ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ ليس "أو" للشك بل للتمثيل بأيهما أراد الممثل.
وقيل : دخلت لشك المخاطب.
وقيل :"أو" بمنزلة بل.
﴿ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ تقدّم.
قوله تعالى :﴿ والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾
ذكر أن من نعمه أن أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالاً لا علم لكم بشيء.
وفيه ثلاثة أقاويل : أحدها لا تعلمون شيئاً مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم.
الثاني لا تعلمون شيئاً مما قضى عليكم من السعادة والشقاء.


الصفحة التالية
Icon